الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما مالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي فكانا يذهبان إلى أن الإحصار الذي يوجب الحل للمحرم هو الإحصار بالعدو خاصة ، لا ما سواه من الأمراض وغيرها .

                  1680 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال قال مالك بن أنس : من أحصر بعدو ، فعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأما من أحصر بغير عدو ، فإنه لا يحل دون البيت .

                  والقياس عندنا في هذا الباب ما حكيناه عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وذلك أنا رأيناهم أجمعوا أن إحصار العدو يجب به للمحصر الإحلال كما يحل المحصر ، واختلفوا في المرض كما قد ذكرنا .

                  فوجدنا الرجل إذا كان يطيق القيام ، كان فرضه أن يصلي قائما ، فإن كان يخاف ، إن قام ، أن يعاينه العدو فيقتله ، أو كان قائما على رأسه فمنعه من القيام ، فكل قد أجمع أنه قد حل له أن يصلي قاعدا ، وأنه قد سقط عنه فرض القيام وأجمعوا أنه لو أصابه مرض أو زمانة ، فمنعه ذلك من القيام ، أنه قد سقط عنه فرض القيام ، وحل له أن يصلي قاعدا ، فكان ما أبيح له في صلاته بالضرورة من العدو أبيح له في صلاته بالضرورة في المرض ورأينا الرجل إذا حال العدو بينه وبين الماء في سفره ، سقط عنه فرض الماء ، وتيمم ، وصلى وكذلك لو كانت به علة يضرها الماء ، سقط عنه فرض التوضؤ بالماء ، وتيمم ، وصلى فكانت هذه الأشياء المعذور فيها بالعدو والأمراض في سقوط الفروض في الصلوات سواء ، فالقياس على ذلك أن يكون كذلك في حرمة الحج .

                  [ ص: 251 ] فقال قائل : فما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كسر أو عرج فقد حل ، أعلى أنه إذا كسر أو عرج فقد حل وخرج من حرمة الإحرام ؟ أو على غير ذلك ؟ .

                  فقيل له : معناه عندنا في ذلك - والله أعلم - أي فقد حل له أن يحل ، كما قد يقال للمرأة الحرام على الأزواج بالاعتداد من الوفاة والطلاق ، ومما سواهما ، إذا انقضت عدتها : قد حلت للأزواج ، ليس على معنى أنها قد حلت لهم بغير عقود يأتنفونها عليها ، ولكن قد حلت لهم بعقود يأتنفونها عليها تكون لهم بها إحلالا ، فكذلك فقد حل ، أي فقد حل له أن يحل بمعنى يأتنفه ، يعود به حلالا والدليل على صحة هذا التأويل إن عبد الله بن عباس قد صدق الحجاج بن عمرو الأنصاري على هذا الحديث ، ثم قال من رأيه في الإحصار ما قد رويناه عنه في هذا الباب .

                  قال أبو جعفر : واختلف أهل العلم في المحصر بالحج ، متى يذبح عنه الهدي ؟ ومتى يحل بذبح الهدي عنه ؟ فكانت طائفة منهم تقول : في أي أيام العشر ذبح عنه أجزأه ، وحل به من الحرمة التي كان فيها وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، كما قد حدثنا محمد بن العباس ، قال حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا محمد بن الحسن ، قال أخبرنا يعقوب ، عن أبي حنيفة ، بذلك .

                  وطائفة منهم تقول لا ينحر عنه الهدي دون يوم النحر ، ولا يحل حتى ينحر عنه يومئذ وممن كان يقول بهذا القول منهم أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، كما قد حدثنا محمد بن العباس ، قال حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف بذلك وكما قد حدثنا محمد بن العباس ، قال حدثنا علي بن معبد ، عن محمد ، بذلك .

                  ولما اختلفوا في ذلك ، وكان الحاج غير المحصر لا يحل بالأفعال التي يفعلها دون يوم النحر ، كان القيام أيضا عندنا أن لا يحل بما جعل بدلا منها ، إذا كان محصرا دون يوم النحر .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية