الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما قوله عز وجل : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) ، فقد ذكرنا ذلك ، وما قال أهل العلم فيه ، والأولى بتأويل الآية في ذلك ، وهو أن الصيام في الحج ، على الصيام بعد الإحرام بالحج كما قال أهل المدينة فيما تقدم من كتابنا هذا ولم يخرج هذا اقول أيضا من قول جميع الكوفيين قد قال به منهم الحسن بن زياد اللؤلؤي ، وأبو زيد حماد بن دليل .

                  فإن قال قائل : ففي هذه الآية ما قد دل على أن المخاطبين بالتمتع بالعمرة إلى الحج هم المحصرون بالحج ، لأنه عز وجل قال : ( فإذا أمنتم فمن تمتع ) ، أي منكم بالعمرة إلى الحج ، وليس في ذلك خطاب لغير المحصرين بالحج وذكر في ذلك ما قد روي عن عبد الله بن الزبير فيه مما :

                  1715 - حدثناه نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، قال حدثنا وهيب بن خالد ، عن إسحاق بن مؤيد ؛ وما قد حدثناه محمد بن خزيمة ، قال [ ص: 270 ] حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال أخبرنا إسحاق بن سويد ، قال : سمعت عبد الله بن الزبير ، يقول : يا أيها الناس ، إن التمتع ليس بالذي تصنعون ، يتمتع أحدكم بالعمرة قبل الحج ، ولكن الحاج إذا فاته الحج ، أو ضلت راحلته ، أو كسر حتى يفوته الحج ، فإنه يجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل ، وما استيسر من الهدي .

                  قيل له : قد روي عن عبد الله بن الزبير ما قد ذكرت ، ولم يعلم هذا القول في هذا المعنى روي عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره وقد روي خلاف قوله في ذلك عن عمر بن الخطاب ، وعن علي بن أبي طالب ، وعن سعيد بن أبي وقاص ، وعن عبد الله بن عمر ، وعن جابر بن عبد الله ، وعن عمران بن حصين رضي الله عنهم فمن ذلك ما قد روي عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ولي عمر ، خطب الناس ، فقال : إن القرآن هو القرآن ، وإن الرسول هو الرسول ، وإنهما كانتا متعتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة الحج ، فافصلوا بين حجكم وعمرتكم .

                  ومن ذلك ما قد روي عن علي بن أبي طالب في قوله لعثمان بن عفان رضي الله عنهما لما نهى عن المتعة : ما يريد إلى أمر قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه .

                  ففي نهي عثمان عنها ، وتسميته إياها متعة ، دليل على أن المتعة عنده خلاف ما قال ابن الزبير .

                  ومن ذلك ما قد روي عن سعيد بن أبي وقاص مما قاله الضحاك بن قيس لما ذكر له عن عمر النهي عن المتعة : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصنعناها معه وفي نهي عمر عنها دليل على أنها عنده بخلاف ما هي عند ابن الزبير .

                  ومن ذلك ما روي عن ابن عمر ، أنه قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأهدى ، وساق معه الهدي ، وبدأ فأهل بعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس معه بالعمرة إلى الحج .

                  [ ص: 271 ] ومن ذلك ما قد روي عن عمران بن حصين ، أنه قال : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل فيها القرآن ، فلم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينسخها شيء ثم قال رجل برأيه ما شاء .

                  فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار الذين حضروا تنزيل القرآن ، يقولون في المتعة بخلاف ما قال ابن الزبير فيها ، وبعضهم يحكيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعضهم يخبر بنزول القرآن فيها ، وقد ذكرنا أسانيد ما روي عنهم في ذلك فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، وابن الزبير فلم يخبر في حديثه أنه قال الذي روي عنه فيه من جهة الآية ، لا من شيء تأولها عليه ، ولا أن ذلك على المحصرين الذين حلوا مما كانوا فيه محصرين بالهدايا التي بعثوا بها وبلغت محلها ، وإنما هو على من فاته الحج ، ووصل إلى البيت بعد ذلك ، وهو في حرمة إحرامه ، لم يخرج منها .

                  فإن قال قائل : لا حاجة بنا إلى خبر ابن الزبير الذي ذكرتم ، ولكنا نطالبكم باطلاقكم المتعة لغير المحصرين بالحج ، وإنما أطلقها الله عز وجل في كتابه للمحصرين بالحج ، ولم يذكر معهم من سواهم ممن لم يحصر بالحج .

                  فجوابنا في ذلك - والله أعلم - أن في الآية ما يدل على أن غير المحصرين قد دخلوا فيها لما قد أجمعوا عليه مما قد وكد أكثر مما وكد هذا الموضع منها ، وهو قوله عز وجل : ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) ، فلم يختلف أهل العلم في المحرم بالحج أو بالعمرة ممن ليس بمحصر أنه إذا أصابه أذى في رأسه ، أو أصابه مرض ، أنه يحلق ، وأن عليه الفدية المذكورة في الآية التي تلونا ، وأن القصد بها إلى المحصرين لا يمنع أن يدخل فيها من سواهم من المحرمين غير المحصرين حتى يكون حكمهم فيها كحكمهم .

                  فكذلك قوله عز وجل : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) ، لا يمنع أن يكون غير المحصرين في ذلك كالمحصرين ، بل هذا أولى بما ذكرنا من المعنى الذي في الآية ، لأنه قال عز وجل في المعنى الأول : ( فمن كان منكم ) ، ولم يقل ذلك في المعنى الثاني منها .

                  [ ص: 272 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية