الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فإن قال قائل : ففي حديث عبادة الذي ذكرت الشرك ، فتكون العقوبة على الشرك كفارة من الشرك قيل له : ليست العقوبة على الشرك كفارة للشرك ، وقوله صلى الله عليه وسلم : من أصاب منها شيئا ، ليس على كل ما فيها ، إنما هو على بعض ما [ ص: 292 ] فيها كما قال جل وعز : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، وإنما يخرج من أحدهما ، لا منهما جميعا ، وكما قال : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) ، وإنما الرسل من الإنس خاصة ، لا من الجن ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : فمن أصاب منها شيئا ، هو على ما سوى الشرك منها .

                  فإن قال : وما الدليل على ذلك ؟ قيل له : قد روى هذا الحديث عن عبادة أبو الأشعث الصنعاني بما هو أدل على هذا المعنى مما رواه أبو إدريس عن عبادة عليه ، كما :

                  1740 - قد حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال حدثنا الفريابي ، عن الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن عبادة بن الصامت ، قال : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كما أخذ على النساء في القرآن : ( يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ) ، الآية فمن أصاب منكم حدا فعجلت عقوبته فهو كفارته ، ومن أخر عنه فأمره إلى الله عز وجل إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه .

                  فعقلنا بذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم : فمن أصاب منكم حدا ، أن ذلك الحد هو الأشياء التي دون الشرك ، فيما لها حدود جعلت كفارات لها لقوله صلى الله عليه وسلم : من أخر عنه فأمره إلى الله عز وجل ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له .

                  والشرك لا يدخل في هذا المعنى لقوله عز وجل : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .

                  فلما كان الشرك خارجا من قوله : ومن أصاب من ذلك شيئا فأخر عنه ، كان أيضا خارجا من قوله : فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له .

                  1741 - وقد حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال حدثنا محمد بن إدريس [ ص: 293 ] الشافعي ، قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث ، عن عبادة ، قال : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء ؛ أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا يعضه بعضكم بعضا ، ولا تعصوني في معروف أمرتكم به ، فمن أصاب منكم منهن واحدة ، فعجلت عقوبته ، فهو كفارته ، ومن أخرت عقوبته ، فأمره إلى الله عز وجل ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه .

                  سمعت المزني يقول : قال الشافعي : من كذب على أخيه فقد عضهه .

                  ففي هذا ما قد دل أن الشرك خارج مما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : فمن أصاب منهن واحدة ، فعجلت عقوبته ، فهو كفارته ، إذ كان قد قال فيه : ومن أخرت عقوبته ، فأمره إلى الله عز وجل ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، والشرك مما لا يغفر .

                  فعلمنا بذلك أن الذنوب المقصود إلى أن إقامة عقوبتها على مصيبيها كفارة لها في هذا الحديث ، هي الذنوب التي يجوز أن تغفر دون الذنوب التي لا يجوز أن تغفر .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية