الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما قوله عز وجل : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ، فقد اختلف أهل العلم في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها ، ماذا تنقضي به عدتها من وفاته ؟ .

                  فقال قوم : لا تنقضي عدتها إلا بآخر الأجلين من وضع حملها ، أو مضي أربعة أشهر وعشر عليها ورووا ذلك عن علي بن أبي طالب ، وابن عباس .

                  1822 - كما حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن خلاس ، أن عليا ، قال : تعتد الحامل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين .

                  1823 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن شعيب ، قال : سمعت عبيد بن الحسن ، قال : سمعت ابن معقل ، يقول : شهدت عليا يسأل عن الحامل المتوفى عنها زوجها ، فقال : تعتد آخر الأجلين .

                  فقيل له : إن أبا مسعود البدري يقول : لتبتغي بنفسها ، فقال : إن فروجا لا تعلم [ ص: 336 ] شيئا فبلغ ذلك أبا مسعود ، فقال : بلى ، إني لأعلم أن الآخر فالآخر سر .

                  1824 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال حدثنا سعيد بن منصور ، قال حدثنا هشيم ، قال أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن ابن عباس ، أنه قال : المتوفى عنها زوجها تنتظر آخر الأجلين ، يعني إذا كانت حاملا .

                  وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : عدتها أن تضع حملها ، فإذا وضعت فقد حلت ورووا ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأبي مسعود البدري .

                  فأما ما رووه عن أبي مسعود البدري فقد دخل في حديث إبراهيم الذي ذكرناه وأما الآخرون فإن يونس :

                  1825 - حدثنا ، قال حدثنا سفيان ، عن الزهري ، سمع سالما ، يقول : سمعت رجلا ، يقول لأبي ، سمعت أباك ، يقول : إذا وضعت الحامل المتوفى عنها زوجها ذا بطنها ، وزوجها على السرير ، فقد حلت .

                  1826 - حدثنا صالح ، قال حدثنا سعيد ، قال أخبرنا هشيم ، قال حدثنا يحيى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يقول : إذا وضعت فقد حلت فقال له رجل من الأنصار : سمعت عمر بن الخطاب ، يقول : إذا وضعت ما في بطنها وزوجها على السرير قبل أن يدلى في حفرته فقد انقضت عدتها .

                  1827 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب ، قال حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : إن ولدت المرأة بعد وفاة زوجها بيوم فقد حلت .

                  [ ص: 337 ] فهذا ما روي عن عمر ، وابن عمر ، وأما ابن مسعود ، وأبو هريرة فسنذكر ما روي عنهما في بقية هذا الباب إن شاء الله ، غير أنه روي عن ابن مسعود خلاف لهذا القول وموافقة لمذهب علي وابن عباس .

                  فلما اختلفوا هذا الاختلاف وجب أن ننظر فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل فيه ما يدل على واحد من هذين المذهبين ؟ فنظرنا في ذلك فإذا يونس :

                  1828 - قد حدثنا ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، حدثه ، أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة ابنة الحارث ، فيسألها عن حديثها ، وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته ، فكتب عمر إلى عبد الله : أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ، وهو من بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدرا ، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تمكث أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعالت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك ، رجل من بني عبد الدار ، فقال لها : مالي أراك متجملة ، لعلك تريدين النكاح ؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة : فلما قال ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن ذلك ، فأفتاني أني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي .

                  1829 - حدثنا إبراهيم ، قال حدثنا يحيى بن حماد ، قال أخبرنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن أبي السنابل بن بعكك ، أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث وعشرين أو خمس وعشرين ليلة ، فتشوفت للنكاح ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن تفعل فقد خلا أجلها ، .

                  [ ص: 338 ] 1830 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن جناد البغدادي ، قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطالقاني ، قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن الأعمش ، ومنصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن أبي السنابل ، مثله .

                  1831 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال حدثنا نعيم ، قال أخبرنا ابن المبارك ، قال حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن المسور بن مخرمة ، أن سبيعة توفي عنها زوجها ، فولدت بعد وفاته بيسير ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح .

                  1832 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا الوهبي ، قال حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، قال : دخلت على سبيعة ابنة الحارث ، وكان زوجها سعد بن خولة توفي عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، قالت : فلما مضى شهران بعد موته وضعت ، فخطبني أبو السنابل بن بعكك أحد بني عبد الدار ، فتهيأت لنكاحه ، فدخل على حموي ، وقد كان يريدني ، فقال : ما لك يا سبيعة قد تهيأت للنكاح ؟ قالت : قلت ، أجل قال : كلا والله إنه لآخر الأجلين فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة ، فذكرت ذلك له ، فقال : نعم ، تزوجي ، .

                  1833 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا عباس بن الوليد الرقام ، قال حدثنا عبد الأعلى ، قال حدثنا ابن إسحاق ، فذكر بإسناده مثله .

                  قال أبو سلمة : فبينا أنا جالس مع ابن عباس ، ومعي أبو هريرة ، إذ دخل رجل يسأل عن ذلك ، فقال ابن عباس : آخر الأجلين .

                  قال قلت : قد حلت قال : فقال أبو هريرة أنا مع ابن أخي أقول كما قال .

                  [ ص: 339 ] قال : فقال ابن عباس : ولم فعلت ؟ فقال : هذه سبيعة حية لم تمت ، تخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بالتزويج وهي في بيت أم سلمة .

                  قال : فبعث مولى له إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ، وقال : إن هذا لشيء ما سمعت به ، فرجع إليه مولاه من عند أم سلمة أن : نعم ، قد كان ذلك في بيتي حين أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .


                  1834 - حدثنا الحسين بن نصر البغدادي ، قال حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ، قال حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن كريب ، عن أم سلمة ، قالت : توفي زوج سبيعة ابنة الحارث ، فوضعت بعد وفاته بأيام ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج .

                  1835 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا محمد بن المنهال ، قال حدثنا يزيد بن زريع ، عن حجاج الصواف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : اختلف ابن عباس وأبو هريرة في المرأة إذا وضعت ، فأرسل ابن عباس غلاما له يقال له : كريب ، إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ، فقالت أم سلمة إن سبيعة ابنة الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن تتزوج .

                  1836 - حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس ، قال : عدة الحامل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين إذا وضعت حملها .

                  قال أبو هريرة : فأرسلنا إلى سبيعة فأخبرتنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها إذا وضعت أن تنكح .


                  1837 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن عبد [ ص: 340 ] ربه بن سعيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها قالت : ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر ، فخطبها رجلان أحدهما كهل والآخر شاب ، فخطب إلى الشاب ، وقال الكهل : لم تحل ، وكان أهلها غيبا ، ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها ، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد حللت ، انكحي من شئت ، .

                  1838 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال حدثني ابن لهيعة ، عن بكر بن عبد الله ، عن بشر بن سعيد ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، أنه سمع أم الطفيل ، تذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  فهذه الحجة قد قامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذهب إليه عمر ، وابن عمر ، ومن ذكرنا معهما وقد روي في ذلك وجه آخر يدخل في هذا الباب .

                  1839 - كما حدثنا يحيى بن عثمان ، قال حدثنا نعيم ، قال حدثنا ابن المبارك ، قال حدثنا حماد ، عن ابن عون ، عن محمد ، قال : جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار ، وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكر حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة ، فقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : ولكن عمه لا يقول ذلك ، فقلت : إني لجريء أن أكذب عن رجل في جانب الكوفة ، ورفعت صوتي ، قال : ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر ، ومالك بن عوف ، فقلت : كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل ؟ قال : فقال عبد الله : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة ؟ أنزلت سورة القصرى بعد الطولى .

                  1840 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال حدثنا عبد الرحمن الثقفي ، قال حدثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، ومسروق ، وعبيدة ، عن عبد الله ، قال : عدة المطلقة من حين تطلق ، والمتوفى عنها زوجها من حيث يتوفى ، ومن شاء قاسمته ، [ ص: 341 ] أو كما قال ، أن سورة النساء القصرى أنزلت بعد البقرة .

                  1841 - حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا شريح بن النعمان ، وأحمد بن إسحاق الحضرمي ، قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : من شاء حالفته أن سورة النساء القصرى أنزلت بعد أربعة أشهر وعشر ، يقول الله عز وجل : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) .

                  1842 - حدثنا محمد بن حميد بن هشام ، قال حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال حدثنا محمد بن جعفر ، قال حدثنا ابن شبرمة الكوفي ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : من شاء لاعنته ، ما نزلت : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ، إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها ، إذا وضعت المتوفى عنها فقد حلت يريد بآية المتوفى عنها : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن ) ، الآية .

                  وكان الذي ذهب إليه ابن مسعود من هذا أن قول الله عز وجل : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ، قد أتى على كل معتدة حامل ، فدخلت في ذلك المتوفى عنها زوجها .

                  ولما اختلفوا في ذلك أردنا أن نستخرج الحكم من طريق النظر ، وإن كان الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيعة كافيا من ذلك ، فوجدنا المطلقة التي ليس بحامل ، وهي ممن تحيض ، تعتد ثلاثة قروء كما قال الله عز وجل : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) الآية ورأيناها إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر [ ص: 342 ] اعتدت ثلاثة أشهر كما قال الله عز وجل : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) .

                  ورأينا المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملا اعتدت أربعة أشهر وعشرا كما قال الله عز وجل : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ورأيناها إذا كانت حاملا فمضت عليها أربعة أشهر وعشر ، ولم تضع ، فكل قد أجمع أنها لا تحل حتى تضع حملها ، فدل إجماعهم على ذلك أن قوله عز وجل : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) قد نسخ من قوله عز وجل : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) الحوامل ودل أن المتوفى عنها زوجها الحامل ، لا معنى لمرور الأيام عليها ، وأن المراعى به انقضاء عدتها ، أو فراغ رحمها بوضع حملها كهي لو كانت مطلقة فثبت بما ذكرنا ما روي عن عمر ، ومن ذكرنا معه ممن تابعه على قوله ، وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، وسفيان ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وعامة أهل العلم خلا من ذكرنا ممن روي عنه خلاف ذلك ، وخلاف من تابعهم ممن تأخر من أهل العلم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية