الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  واختلفوا فيمن لم يصم الثلاثة الأيام التي ذكرنا حتى مضى يوم عرفة ، فكان بعضهم يقول : يصوم أيام التشريق وممن قال ذلك منهم مالك بن أنس .

                  وكان بعضهم يقول : لا يصوم أيام التشريق ، وقد وجب عليه الهدي ، لا بد له منه ، إذ كان الصيام الذي أوجبه الله عز وجل عليه ، والوقت الذي أمره بصومه فيه ، وهو [ ص: 239 ] الحج ، قد فات ، فلم يجز له أن يصومها في غير الحج وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وقالوا : لا يجوز له أيضا أن يصوم أيام التشريق عنها ، وإن كانت من أيام الحج ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها ، كما لم يجزه أن يصوم يوم النحر عن ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه .

                  وقد ذكرنا الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن صوم يوم النحر وأيام التشريق في كتاب الصيام من كتبنا هذه ، فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا ، غير أنا قد وجدنا عن عمر بن الخطاب ، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ما يوافق ما قد حكيناه عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد فيه ، مما لم نكن ذكرناه في كتاب الصيام من كتبنا هذه ، وهو أن محمد بن خزيمة .

                  1653 - حدثنا ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم النحر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني تمتعت فلم أهد ، ولم أصم في العشر ؟ فقال : سل في قومك ، ثم قال : يا معيقيب ، أعطه شاة .

                  فهذا عمر بن الخطاب لم يأمر المتمتع الذي لم يصم في العشر ، ولم يجد الهدي ، أن يصوم أيام التشريق ، ولم يجعل له بدا من الهدي .


                  1654 - وأن يزيد بن سنان ، حدثنا ، قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) آخرها يوم عرفة ( وسبعة إذا رجعتم ) قال : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : هذا قول ابن عباس ، وعقد بيده ثلاثين .

                  فهذا ابن عباس قد جعل آخر الوقت الذي يصام فيه الثلاثة الأيام في الحج للمتمتع يوم عرفة .

                  [ ص: 240 ] ولما اختلفوا في ذلك ، وكان قوله عز وجل : ( فصيام ثلاثة أيام في الحج ) ، قد جعل له وقتا ، وهو الحج ، كما جعل للصوم في الظهار ، وفي القتل الخطإ ، وصفه ، وهي التتابع ، فكما كان ذلك الصوم الموصوف بالتتابع لا يجزئ إلا متتابعا ، فكذلك الصوم الذي جعل في الحج لا يجزئ في غير الحج .

                  وأما قوله عز وجل : ( وسبعة إذا رجعتم ) ، فجائز للمتمتعين أن يصوموها بمكة ، وفي طرقهم إلى بلدانهم ، وفي بلدانهم التي فيها أهلوهم متتابعة ومتفرقة ، لا نعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم .

                  فعقلنا بذلك أن المراد بقوله عز وجل : ( وسبعة إذا رجعتم ) ، أي إذا رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل الإحرام من الإحلال .

                  وأما قوله عز وجل : ( تلك عشرة كاملة ) ، فالمراد بذلك عند أهل العلم جميعا هو كما لها عن الهدي .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية