الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد روي عن آخرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف هذين القولين ، وخلاف القولين اللذين ذكرناهما منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما :

                  2051 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر ، قال : إذا أدى النصف فهو غريم ، يعني المكاتب .

                  2052 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال حدثنا المسعودي ، عن القاسم ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر ، أنه قال : أيها الناس ، إنكم تكاتبون مكاتبين ، فأيهم أدى النصف فلا رد عليه في الرق .

                  فهذا عمر قد جعل المكاتب حرا بأدائه نصف مكاتبته غير أنا وجدنا عنه خلاف هذا القول وإن كان منقطع الإسناد ، كما :

                  2053 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد بن هارون ، قال أخبرنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن معبد الجهني ، عن عمر ، قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم .

                  ومنهم ابن مسعود ، روي عنه في ذلك ما :

                  2054 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد ، قال أخبرنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال قال عبد الله : إذا أدى المكاتب ثلثا أو ربعا فهو غريم .

                  2055 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي ، قال : كان عبد الله ، وشريح ، يقولان في المكاتب : إذا أدى الثلث فهو غريم .

                  [ ص: 464 ] وقد روي عن ابن مسعود خلاف هذا ، وخلاف ما ذكرناه عن العلماء سواه فيما يعتق به من المكاتب كما :

                  2056 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد ، قال أخبرنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال قال عبد الله : إذا أدى المكاتب قيمة رقبته فهو غريم .

                  ومنهم جابر بن عبد الله ، فروي عنه ما :

                  2057 - حدثنا علي ، قال حدثنا يزيد ، قال أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كان جابر ، يقول : شروطهم جائزة فيما بينهم ، يعني المكاتبين والمكاتبين .

                  فهذا جابر قد رد أمر عتاق المكاتبين إلى الشرائط التي يشترطونها على مواليهم في مكاتباتهم إياهم ولم يقف على ما كان يذهب إليه في المكاتبة إذا وقعت خالية من الشروط .

                  ولما اختلفوا في المكاتب ، وقالوا فيه من الأقوال ما وصفنا ، وانتفى قول من قال : إن المكاتب يعتق بعقد المكاتبة بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثي أم سلمة ، وابن عباس اللذين رويناهما في هذا ، نظرنا في ذلك وفي سائر الأشياء التي لا تجب بالعقود ، وإنما تجب بحال أخرى تحدث بعدها ، كيف حكمها ؟

                  فرأينا الرجل يبيع الرجل العرض بالدراهم أو بما سواها مما يجوز به البيع ، فيكون من حق البائع احتباس المبيع حتى يقبض ثمنه ، فكل قد أجمع أن المشتري لا يستحق عليه قبض شيء من المبيع بدفعه إليه شيئا من الثمن ، وأن المشتري في دفعه بعض الثمن كهو لو لم يدفع إليه شيئا من الثمن ورأينا الرجل يرهن الرجل العرض بالمال له عليه ، فيكون من حق المرتهن احتباس الرهن بالدين ، وكل قد أجمع أن الراهن لا يستحق على المرتهن قبض شيء من الرهن بدفعه إليه شيئا من الدين الذي رهنه به ذلك الرهن ، وأن الراهن بعد براءته إلى المرتهن من بعض الدين في حكمه الذي كان عليه قبل براءته إليه من شيء من [ ص: 465 ] ذلك الدين فكان القياس على ذلك ما ذكرنا في الرهن والبيع اللذين وصفنا ، أن تكون الكتابة كهما ، وأن يكون المكاتب بعد براءته إلى مولاه من بعض المكاتبة في حكمه قبل براءته إليه من شيء منها فهذا هو القياس عندنا ، والله أعلم .

                  وفي ذلك دلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمنع من وجوب العتاق للمكاتب بعقد الكتابة سنذكرها فيما بعد من كتابنا إن شاء الله .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية