الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد وجدناهم مجمعين على أن من وقف عند المشعر الحرام ، ولم يذكر الله عز وجل عنده ، أو مر به وهو لا يعرفه ، أو مر به نائما أو مغمى عليه ، إن ذلك يجزئه من [ ص: 160 ] الوقوف عند المشعر الحرام الذي ذكره الله عز وجل في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان الذكر المذكور في الآية ليس من صلب الحج الذي لا يجزئ إلا بإصابته كعرفة التي لا يجزئ الحج إلا بإصابتها ، كان الوقوف الذي لم يذكر بعينه في الآية أحرى أن لا يكون كذلك ، مع أنا وجدنا السنة قد قامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر مزدلفة بما قد دل على أن الوقوف بها ليس كالوقوف بعرفة من ذلك ما قد روي عنه صلى الله عليه وسلم في إذنه لسودة بالإضافة من مزدلفة قبل وقوفها بها ، كما :

                  1442 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كانت سودة امرأة ثبطة ثقيلة ، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع قبل أن تقف ، فأذن لها ، ولوددت أني كنت استأذنته فأذن لي .

                  ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رخص لسودة في ترك الوقوف بجمع ، وهي مزدلفة ، وعذرها بذلك لثقلها ومن ذلك تقديمه لضعفة أهله من جمع ، وهي مزدلفة ، بليل ، كما :

                  1443 - قد حدثنا يحيى بن عثمان ، قال حدثنا موسى بن هارون الردي من أهل الكوفة ، قال حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواد ضعفة بني هاشم على جمرات ، فجعل يقول : يا بني ، أفيضوا ، ولا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس .

                  1444 - وكما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني هاشم : يا بني أخي ، تعجلوا قبل زحام الناس ، ولا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس .

                  [ ص: 161 ] 1445 - وكما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال حدثنا الحسن بن الربيع ، قال حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النحر وعلينا سواد من الليل ، فجعل يضرب أفخاذنا ، ويقول : أبني أفيضوا ، ولا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس .

                  1446 - وما قد حدثنا سليمان بن شعيب ، قال حدثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، قال حدثنا المسعودي ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله ليلة جمع ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانا منهم ، فحرك فخذه ، وقال : لا ترمين جمرة العقبة حتى تطلع الشمس .

                  1447 - وكما قد حدثنا فهد ، قال حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب من جمع بليل ، فجعل يلطخ أفخاذنا ، ويقول : أبني لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس .

                  1448 - وكما قد حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال حدثنا يحيى بن عيسى ، قال حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

                  1449 - وكما قد حدثنا حسين بن نصر ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا سفيان ، فذكر بإسناده مثله .

                  1450 - وكما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا محمد بن كثير ، قال حدثنا سفيان ، فذكر بإسناده مثله .

                  [ ص: 162 ] 1451 - وكما قد حدثنا روح بن الفرج ، قال حدثنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان الرازي ، عن مسعر بن كدام ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، قال قال ابن عباس : حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على جمرات ، ثم ذكر مثله .

                  1452 - وكما قد حدثنا يحيى بن عثمان ، قال حدثنا موسى بن هارون البردي ، قال حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن سلمة بن كهيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواد ضعفاء بني هاشم على جمرات ، فجعل يقول ، ثم ذكر مثله .

                  1453 - وكما قد حدثنا روح ، قال حدثنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا عبد الرحيم ، عن النعمان بن أبي ثابت أبي حنيفة ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعفة أهله ليلا من جمع ، وقال لهم : لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس .

                  1454 - وكما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال حدثنا المقدمي ، قال حدثنا الفضيل بن سليمان النميري ، قال حدثنا موسى بن عقبة ، قال حدثنا كريب ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه وثقله أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد ، ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين .

                  1455 - كما قد حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا خلاد بن يحيى ، قال حدثنا إسماعيل بن عبد الملك ، عن عطاء ، قال : حدثني ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال للعباس ليلة المزدلفة : اذهب بضعفائنا ونسائنا ، فليصلوا الصبح بمنى ، وليرموا جمرة العقبة قبل أن تصيبهم دفعة الناس .

                  [ ص: 163 ] قال : وكان عطاء يفعله بعدما كبر وضعف .

                  ففي هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رخص لضعفة أهله في الإفاضة من جمع بليل ، وفي ذلك ترك الوقوف عند المشعر الحرام على ما في حديث عروة بن مضرس ، وترك للوقوف بالمزدلفة في بعض الليل .

                  ومن ذلك ما قد روي عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى أيضا .

                  1456 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفة أهله ، فيقفون عند المشعر الحرام ، والمزدلفة بليل ، فيذكرون الله عز وجل ما بدا لهم ، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام ، وقبل أن يدفع ، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ، ومنهم من يقدم بعد ذلك ، فإذا قدموا رموا الجمرة .

                  وكان ابن عمر يقول : أرخص لأولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم .


                  1457 - حدثنا عبيد بن محمد البزار ، قال حدثنا أحمد بن صالح ، ومؤمل بن إهاب ، جميعا ، قالا : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لضعفة الناس من المزدلفة بليل .

                  ففي هذا الحديث أيضا في ترك الوقوف بالمزدلفة كما في حديث ابن عباس الذي روينا .

                  ومن ذلك ما قد روي عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

                  1458 - حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، قال حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن سالم بن شوال ، عن أم حبيبة ، قالت : كنا نغلس من [ ص: 164 ] جمع بليل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهذا مثل الحديث الأول .

                  ومن ذلك ما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

                  1459 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، حدثه عن يحيى بن سعيد ، عن عطاء بن أبي رباح ، أن مولاة لأسماء بنت أبي بكر ، أخبرته ، قالت : جئنا مع أسماء بنت أبي بكر بغلس ، فقلت لها : لقد جئنا منى بغلس ، فقالت : قد كنا نصنع هذا مع من هو خير منك .

                  1460 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر ، أنها قالت : أي بني ، هل غاب القمر ليلة جمع ؟ وهي تصلي ، ونزلت عند المزدلفة ، قال : قلت : لا .

                  قال : فصلت ساعة ، ثم قالت : أي بني ، هل غاب القمر ؟ وقد غاب ، فقلت : نعم قالت : فارتحلوا فارتحلنا ، ثم مضينا بها حتى رمت الجمرة ، ثم رجعت ، فصلت الصبح في منزلها .

                  فقلت لها : أي هنتاه ، لقد غلسنا قالت : كلا يا بني ، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن .


                  ففي هذه الآثار إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة ترك الوقوف بالمزدلفة أصلا ، وفيها تقديمه ضعفة بني هاشم من مزدلفة إلى منى بليل وفي ذلك تركهم أيضا الوقوف بها بعد طلوع الفجر ، والوقوف بها من بعض الليل ففي إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم ذلك للضعف دليل على أن الوقف بها ليس من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته كالوقوف بعرفة الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية