الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ولما ثبت أن الصفا والمروة من شعائر الله ، والشعائر العلامات كما ذكرنا ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في حجة الوداع أن يأخذوا عنه مناسكهم ، وقال لهم : لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، وطاف بينهما .

                  1307 - كما حدثنا الربيع المرادي ، قال حدثنا أسد ، قال حدثنا حاتم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم لما انتهى في حجته ، وفي طوافه لها إلى الصفا والمروة ، قال : نبدأ بما بدأ الله به ، يريد قوله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) .

                  فصارتا بذلك كسائر شعائر الله في الحج ، وكان تاركهما في حكم تارك ما سواهما من شعائر الحج في وجوب الدم عليه في تركهما ، خلا ما خصت به عرفة ، إذ كان قد جعل من فاته الوقوف بها حتى خرج وقتها ممن قد خرج من الحج إلى غيره ، وخلا ما خص به طواف الزيارة فيما وكد من أمره ، وفيما جعل على تاركه من اللبث في إحرامه حتى يطوفه ، فهذا حمله ما في حديث عائشة الذي قد روي عنها في هذا الباب .

                  وأما أنس فقد روي عنه في ذلك ما :

                  1308 - قد حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال حدثنا سفيان ، عن عاصم ، قال : سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة ، فقال : كانتا من مشاعر الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) إلى قوله ( شاكر عليم ) .

                  [ ص: 99 ] 1309 - وما حدثنا محمد بن زكريا ، وابن أبي مريم ، قالا : حدثنا الفريابي ، قال حدثنا سفيان ، فذكر باسناده مثله .

                  1310 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد ، قال أخبرنا عاصم الأحوال ، قال : سألت أنسا عن الصفا والمروة ، ثم ذكر مثله ، وزاد قال أنس : وهما تطوع .

                  1311 - وما حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا عارم ، قال حدثنا ثابت وهو أبو زيد ، قال حدثنا عاصم ، قال : قلت لأنس : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ، كأنكم كنتم تكرهون الطواف بهما ؟ قال : أجل ، كانتا من مشاعر الجاهلية ، وكنا نتقيهما حتى ذكرهما الله عز وجل قال : والطواف بينهما تطوع ، ( ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) .

                  1312 - وحدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قال حدثنا عاصم ، قال : قلت لأنس : أكنتم تكرهون الطواف بين الصفا والمروة حتى نزلت : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ؟ قال : نعم ، كانتا من شعائر الجاهلية ، وكنا نكره الطواف بهما حتى نزلت هذه الآية .

                  ففي حديث أنس هذا أنهم كانوا يكرهون الطواف بهما ، لأنهما كانا من شعائر الجاهلية ، وقد كان ما سواهما من الوقوف بعرفة ، والوقوف بمزدلفة ، والطواف بالبيت ، من شعائر الحج في الجاهلية أيضا ، فلما جاء الإسلام ، وذكر الله عز وجل ذلك في كتابه صار من شعائر الحج في الإسلام ، فكان كذلك الطواف بين الصفا والمروة ، بعد ذكر الله عز وجل إياهما في كتابه صار من شعائر الحج في الإسلام وأما قول أنس " وهما تطوع " فإن [ ص: 100 ] ذلك لم يذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو - عندنا - من قوله على ظاهر الآية ، وعلى ظاهر نفي الجناح كقوله عز وجل : ( فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) .

                  فكان ذلك على نفي الحرج عنهما في المراجعة ، فحمل معنى : ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ، على هذا المعنى أيضا .

                  فكان ما روي عن عائشة من وقوفها على " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الطواف بينهما " أولى من قوله ، لأنه ليس لأحد التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جعله من سننه ، كما ليس لأحد التخلف عما قد جعله من سننه في الحج سوى ذلك كطواف الصدر ، وكطواف القدوم ، وكالصلاة على إثر الطواف ، وكما سوى ذلك من سائر سننه في الحج والعمرة التي لا يرخص للحاجين ولا المعتمرين في تركهما في حجهم ، ولا في عمرهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية