الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) ، إلى قوله : ( أن يضعن حملهن ) .

                  قال الله عز وجل بعد أمره أن يطلق النساء لعددهن : ( وأحصوا العدة ) .

                  فأمرهم عز وجل بإحصائها ليقفوا بذلك على أولها ، وعلى الوقت الذي به تحل المعتدة من العدة التي هي فيها ، وعلى انقطاع الواجب لها كان فيها على مطلقها ثم قال عز وجل : [ ص: 326 ] ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) ، فأمر عز وجل المطلقين بإسكان المطلقات ، وأن لا يخرجوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة واختلف أهل العلم في المراد بتلك الفاحشة المبينة ما هو ، فروي عن ابن عباس في ذلك ما :

                  1802 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال حدثنا سليمان بن بلال ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه سئل عن قوله عز وجل : ( ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) ، قال : الفاحشة المبينة أن تفحش على أهل الرجل وتؤذيهم .

                  وروي عن ابن عمر خلاف هذا المعنى كما :

                  1803 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، أن ابن عمر ، قال في قوله عز وجل : ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) ، قال : خروجها من بيتها فاحشة مبينة .

                  وقد روي عن غيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أعلمه إلا وقد روي ذلك عن ابن مسعود ، قال : الفاحشة المبينة أن تزني فتخرج ليقام عليها الحد ، والله عز وجل أعلم بما أراد في ذلك غير أنه قد ثبت أن المطلقات لا يخرجن من بيوتهن قبل أن تكون منهن الفاحشة المستثناة في الآية التي تلونا .

                  وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر فاطمة ابنة قيس ، لما طلقها زوجها طلاقا تاما ، بالنقلة في عدتها ، فقال كثير من أهل العلم : إن ذلك كان لبذاء كان فيها واستشهدوا في ذلك بالتأويل الذي روي في هذه الآية التي تلونا عن ابن عباس في تأليفها ، وخالفهم في ذلك آخرون وسنذكر الآثار المذكور فيها اختلافهم في ذلك فيما بعد إن شاء الله .

                  [ ص: 327 ] وأما قوله عز وجل : ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) فالمراد بذلك هو المراجعة ، وهذا من المحكم الذي لا نعلم في المراد به اختلافا .

                  وأما قوله : ( فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ) ، فالمراد بذلك قرب بلوغ الأجل ، لا حقيقة بلوغ الأجل ، لأن المرأة إذا خرجت من عدتها ، وملكت نفسها ، وارتفعت عنها رجعة زوجها لم يكن له إمساكها بعد ذلك والدليل على ما ذكرنا من ذلك قوله عز وجل في الآية الأخرى : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ) فإذا كان حراما عليهم عضلهن عن نكاح الأزواج بعد انقضاء العدة ، وبلوغ الأجل ، كان في ذلك دليل على خروجهن قبل ذلك من حقوق الأزواج المطلقين وعلمنا بذلك أن المراد بالبلوغ في الآية الأولى هو قرب البلوغ الذي في الآية الأخرى ، لأنه جعل في الآية الأولى الإمساك ، والفرقة إلى الأزواج ، وفي الآية الأخرى إطلاق النكاح للمطلقات ، والنهي عن عضلهن عن ذلك وذلك لا يكون إلا بعد زوال حقوق الأزواج التي لهم عليهن في ذلك .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية