الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد روي عن عبد الله بن عباس ، وعن عائشة ، أيضا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه أخر طواف الزيارة إلى الليل ، كما :

                  1586 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال حدثنا سفيان الثوري ، قال حدثنا محمد بن طارق ، عن طاوس ، وأبي الزبير ، عن عائشة ، وابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة إلى الليل .

                  ولم نعلم اختلافا أن للحاج بعد رميه جمرة العقبة ، وبعد حلقه في يوم النحر أن ينفر إلى البيت في أي يومه ذلك شاء .

                  وأما اليومان اللذان بعد يومه ذلك من أيام النحر فإنا قد وجدنا حكمهما في حل الذبح فيهما كحكم يوم النحر في حل الذبح فيه ، فكان القياس عندنا أن ما كان مفعولا فيه من الطواف الذي ذكرنا فجائز أن يفعل فيهما :

                  وقد روي عن أبي أيوب الأنصاري ، وغيره من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما ذكرنا كما :

                  1587 - قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني أفلح بن حميد بن نافع ، أن أباه حدثه ، أنه كان مع أبي أيوب الأنصاري في رجال من [ ص: 210 ] الأنصار ، قال حميد : فلم يفض منا أحد إلا آخر أيام التشريق النفر الآخر ، إلا أحد معه أهله فيريد أن يتعجل لهم .

                  1588 - وكما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا يعقوب بن أبي عباد ، قال حدثنا حماد بن زيد ، عن أفلح بن حميد ، عن أبيه ، قال : خرجت مع أبي أيوب الأنصاري إلى الحج في رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يفض أحد منهم إلا رجل كانت معه امرأته ، فأحب أن يتعجل .

                  1589 - وكما قد حدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، قال حدثنا الفريابي ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قال : لقد أدركت أقواما لو أمروا أن لا يشربوا الماء ما شربوه حتى تنقطع أعناقهم ، ولم يكونوا يزورون البيت إلا يوم النفر .

                  وأما ما ذكرنا من الاختلاف في وجوب الدم على مؤخر الطواف حتى تمضي أيام النحر ، ومن نفي الدم عنه ، فإنا قد وجدنا الأشياء المفعولة في الحج ، منها ما له وقت خاص يفعل فيه ، فإذا زال ذلك الوقت لم يفعل في غيره ، ووجب على تاركها الدم ، من ذلك رمي الجمار ، له وقت خاص ترمى فيه الجمار ، ولو تركها تارك ، حتى يمضي ذلك الوقت كان عليه دم مكانها ، ولم يؤمر برميها .

                  ومنها ما الدهر له وقت غير أنه يستحب من وقته ، خاص منه على ما سواه من بقية ، وفيه من ذلك السعي بين الصفا والمروة ، يستحب أن يكون مفعولا بعقب الطواف بالبيت ، ولو تركه تارك بعد طوافه بالبيت أياما كان عليه قضاؤه ، ولا دم عليه ، وكان طواف الزيارة إذا تركه تارك حتى تمضي أيام النحر أمر أن يطوفه فالقياس على ما ذكرنا أن لا يكون عليه من ذلك دم ، كما قال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، لأنه قد فعله في وقته ، ولأن وقته الذي يفعل فيه لو كان قد خرج لما أمر أن يفعله في غير وقته كما لم يؤمر تارك رمي الجمار حتى خرج وقتها ، برميها في غير وقتها .

                  [ ص: 211 ] فالذي يفعل الشيء في وقته لا معنى لوجوب الدم عليه مع ذلك ، ولا يوجب تأخيره إياه عن الوقت المستحب فيه فعله فيه عليه الدم ، كما لم يوجب ترك الحاج السعي بين الصفا والمروة بعقب الطواف بالبيت عليه الدم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية