الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  قال أبو جعفر : وينبغي لمن يسعى بين الصفا والمروة أن يرمل في بطن السيل ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فعل في طوافه لحجته .

                  1355 - فيما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال حدثنا أسد ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه لما فرغ من طوافه خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ، فبدأ بالصفا ، فرقى عليه حتى رأى البيت ، فوحد الله عز وجل ، وكبره ، ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، فقال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى انتصبت قدماه ، رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا .

                  وجميع ما ذكرنا في هذه الثلاثة الفصول هو قول أبي حنيفة ، ومالك ، وسفيان الثوري ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وسائر أهل العلم سواهم غير أنه قد روي عن عبد الله بن عمر اختلاف في الرمل في بطن الوادي فأما كثير بن جهمان فروي عنه في ذلك ما :

                  1356 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن كثير بن جمهان ، قال : رأيت ابن عمر يمشي في [ ص: 117 ] بطن المسيل ، فقلت : تمشي وتأمر الناس بالسعي ؟ فقال ابن عمر : إن أمشي فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وإن أسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يسعيان .

                  قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث مشى ابن عمر في بطن المسيل ، وأمره الناس بالسعي فيه ، وذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر ما ذكره عنهما فيه .

                  وذلك محتمل عندنا أن يكون كان مذهبه أن لا فضل في ذلك للسعي على المشي .

                  ويحتمل أن يكون علم أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى في بعض ذلك ، ومشى في بعضه .

                  وأما أبو بكر بن عبد الله المزني فروي عنه في ذلك ما :

                  1357 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن بكر ، أن عمر كان يسعى من لدن سكة محمد بن عباد بن رفاق بن ساع .

                  1358 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد ، عن حميد ، عن بكر ، أن ابن عمر ، قال : إني لأسعى ، وإني لأظن أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر يسعى .

                  ففي حديثي بكر بن عبد الله هذين عن ابن عمر أنه كان يسعى ، وذلك خلاف ما رواه كثير بن جمهان عنه مما ذكرنا وفي أحدهما أيضا أنه يظن أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمر يمشي ، فذلك على ما لا حقيقة فيه عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عمر .

                  ثم رجعنا إلى طلب الحقيقة ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فوجدنا في حديث جابر بن عبد الله الذي قد رويناه في هذا الفصل ، أن رسول الله صلى [ ص: 118 ] الله عليه وسلم رمل في ذلك ، فكان ما روي عن جابر في هذا أولى مما روي عن غيره ، وليس لأحد ترك شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته ، إذ كان قد أمر الناس أن يأخذوا مناسكهم من أقواله وأفعاله كما :

                  1359 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال أخبرنا سفيان الثوري ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في حجة الوداع : لتأخذ أمتي مناسكها ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا .

                  ووجدنا حبيبة ابنة أبي تجرأة قد روت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ، ثم ذكرته عنه من قوله كما :

                  1360 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا معاذ بن هانئ ، قال حدثنا عبد الله بن المؤمل ، قال حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن محيصن ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : حدثتني صفية ابنة شيبة ، عن امرأة يقال لها : حبيبة ابنة تجرأة ، قالت : دخلنا دار أبي حسين ، ومعي نسوة من قريش ، والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت حتى أن ثوبه ليدور به ، وهو يقول لأصحابه : اسعوا . فإن الله جل وعز كتب عليكم السعي .

                  ففي هذا الحديث حضور حبيبة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالسعي ، وإخباره إياهم أن الله عز وجل قد كتبه عليهم وذلك عندنا - والله أعلم - هو السعي الذي ذكرنا قبل هذا ، لأن الطواف بالبيت لا سعي فيه وقد بين ذلك ، ودل عليه ما :

                  1361 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد ، قال أخبرنا بديل بن ميسرة العقيلي ، عن صفية ابنة شيبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى في المسيل وهو يقول : لا يقطع الأبطح إلا شدا ، ولم يتجاوز به حماد صفية .

                  [ ص: 119 ] فعقلنا بحديث حماد هذا أن السعي المراد في حديث ابن محيصن الذي ذكرناه قبل هذا هو السعي في بطن المسيل .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية