الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد ذكرنا فيما تقدم من كتبنا هذه في المناسك في فدية الأذى مقدار ما يطعمه كل مسكين ، فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا .

                  وقد احتج أهل المقالة الأولى لمقالتهم في مقدار إطعام المساكين بحديث أوس بن الصامت الذي ذكرناه في أول هذا الباب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخولة : مريه فليذهب إلى فلان فقد أخبرني أن عنده شطر وسق ، فليأخذه صدقة عليه ، ثم يتصدق به على ستين مسكينا .

                  وبحديث يوسف بن عبد الله بن سلام فيما تقدم من هذا الباب عن خولة ، أن زوجها ظاهر منها ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت آية الظهار ، فأمره أن يكفر قبل أن يواقع بخمسة عشر صاعا على ستين مسكينا .

                  وكان من الحجة عليهم في ذلك أن هذين الحديثين قد رويا هكذا ، وقد روي في حديث أبي إسحاق ، عن يزيد بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره بإطعام ستين مسكينا قال : تالله ما عندي إلا أن تعينني ، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا والمعاونة على الشيء إنما هي ببعضه لا بكله فهذا الحديث مما قد ذكرناه فيما تقدم ، وهو مخالف للحديث الآخر ، وأما حديث يوسف بن عبد الله بن سلام فقد روي كما ذكرناه في هذا الباب ، وقد روي بزيادة على ذلك كما :

                  [ ص: 404 ] 1962 - حدثنا فهد ، قال حدثنا فروة بن أبي المغراء ، قال حدثنا يحيى بن زكرياء ، عن محمد بن إسحاق ، عن معمر بن عبد الله ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : حدثتني خولة ابنة مالك بن ثعلبة ابن أخي عبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعان زوجها حين ظاهر منها بعرق من تمر ، وأعانته هي بعرق آخر ، وذلك ستون صاعا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدق به ، واتقي الله ، وارجعي إلى ابن عمك .

                  فهكذا كان أهل المقالة الثانية يقولون : ما يطعم فيه من التمر كل مسكين صاعا ، يطعم فيه من الحنطة كل مسكين نصف صاع فأما حديث سلمة بن صخر الذي رواه محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سليمان بن يسار ، عن سلمة بن صخر ، هو دليل على هذا المعنى ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له فيه : انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق ، فمره فليدفع إليك صدقتهم ، فأطعم وسقا ستين مسكينا ، وأنفق سائره عليك وعلى عيالك .

                  وقد رواه بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار بغير هذا المعنى .

                  1963 - كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن سليمان ، أن رجلا من بني زريق يقال له : سلمة بن صخر ، وكان قد أوتي حظا من الجماع ، فلما دخل عليه شهر رمضان تظاهر من امرأته حتى ينقضي شهر رمضان ، فاشتكى عينيه ، فأتته امرأته بمكحلة في القمر ، فأعجبه بعض ما رأى منها فوقع عليها ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أنت بذلك يا سلمة ؟ قلت : نعم قال : فأعتق رقبة قال : ما أملك غير رقبتي قال : فصم شهرين متتابعين قال : ما عمل يعمل الناس أشق علي من الصيام قال : فأطعم ستين مسكينا قال : ما أجد شيئا .

                  قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر ، فأعطاه إياه ، وهو قريب من [ ص: 405 ] خمسة عشر صاعا ، فقال : صدق بهذا فقال : يا رسول الله ، أعلى أفقر مني ومن أهلي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كله أنت وأهلك .


                  فإن كان هذا الحديث في ذلك هو ما رواه محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سليمان ، كما ذكرنا ، فذلك دليل على ما يقول أهل المقالة الثانية وإن كان أصل الحديث كما رواه بكير ، فإن في ذلك دليلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطه الذي أعطاه على أنه جميع الذي عليه ، وأنه إنما كان منه على المعونة منه إياه فيما عليه ولا يجب في الحكم عندنا زوال كفارة متفق على وجوبها إلا باتفاق على زوالها ، إذ كان مثل هذا لا يقال استنباطا ولا قياسا ، وكان المظاهر إذا أطعم ما يقول أهل المقالة الثانية سقط عن فرض الكفارة في قولهم وفي قول أهل المقالة الآخرين ، وإذا أطعم ما يقول أهل المقالة الأولى لم تسقط الكفارة عنه في قول أهل المقالة الثانية ، فكان قول أهل المقالة الثانية أولى بنا ، إذ كان فيه سقوط الواجب بلا اختلاف .

                  وعلى المظاهر ألا يماس أهله في كل معنى من هذه الثلاثة المعاني من الكفارات حتى يجيء بالمعنى الذي عليه منها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية