الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فأما الحمامة إذا قتلها المحرم فقد ذكرنا عن محمد بن الحسن فيما تقدم منا في هذا الباب أنه جعلها مما لا مثل له من النعم ، وجعل الواجب فيها القيمة ، يجعلها الحكمان في أي الأصناف شاءا من أصناف الجزاء بعد تعديلهما إياها وذكرنا عن الشافعي أنه جعلها مما له مثل من النعم ، وجعل مثلها من النعم الشاة وكان أولى القولين عندنا في ذلك ما قال محمد بن الحسن فيه ، لأن الظبي إذا كانت الشاة تشبهه ، وجب أن يكون غير مشبه للحامة ، لأن الحمامة في نفسها غير مشبهة للظبي ، فكذلك لا يكون شبهه شبهها من النعم ، إذ لم تكن مشبهة له في نفسه ، غير أنه قد روي عن عبد الله بن عباس ، وعن عبد الله بن عمر في هذا الباب ما :

                  1727 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا هشيم ، قال أخبرنا منصور بن زاذان ، عن عطاء ، أن رجلا قدم مكة ، فعمد إلى خمس حمامات من حمام الحرم ، فذبحهن ، وظن أنه لا بأس عليه في ذلك ، فأتى ابن عباس فذكر له ذلك ، فأمره بخمس من النعم .

                  [ ص: 285 ] 1728 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال أخبرنا هشيم ، قال أخبرنا أبو بشر ، عن يوسف بن ماهد المكي ، وعطاء ، أن رجلا أغلق بابا على حمامة وفرخيها ، وانطلق إلى عرفات ومنى ، فرجع وقد متن ، فأتى ابن عمر ، فذكر ذلك له ، فجعل عليه ثلاثا من الغنم ، وحكم معه فيها رجل آخر .

                  ولم يكن عندنا في ذلك حجة على محمد بن الحسن ، لأنه قد يجوز أن يكون ابن عباس وابن عمر قوما على ذلك المحرم ما أتلف من الحمام ، فبلغت قيمته ذلك عندهما دراهم يوجد مثلها من الشاء ما حكما به عليه ، فأمره بذلك من جهة القيمة ، لا من جهة المثل .

                  ولما كان المحرم إذا قتل عصفورا لم يحكم عليه بالجدي الذي هو من الشاة بمنزلة العصفور من الحمام في أجسامها ، وكان مرجوعا فيه إلى القيمة لا إلى شيء من النعم ، إذ لا مثل له منها ، دل ذلك على أن الحمام أيضا مرجوع في الواجب فيه على قاتله في الإحرام إلى القيمة ، لا إلى مثل من النعم ، إذ لا مثل له منها وفيما ذكرنا مما تقدم في هذا الباب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه قال لكعب لما أخبره أنه أفتى من قتل جرادة في حال إحرامه أن يتصدق بدرهم : تمرة خير من جرادة ، دليل على مراعاة القيمة في الجراد ، إذ لا مثل له من النعم ، فكذلك سائر الصيد الذي لا مثل له من النعم ، مرجوع فيه إلى القيمة ، لا إلى شيء من النعم وفيما بينا من قول محمد بن الحسن في هذا الباب دليل على أن الجدي وسائر الأنعام مما لا يجزئ من المتعة والقران والضحايا قد تكون نظائره لأشياء من الصيد ، فيكون جزاء لها ، إذ هي نظائر لها ، ويكون الهدي المراد في آية الجزاء غير الهدي المراد في آية المتعة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية