الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما ما رويناه عن أبي حنيفة ، وعن زفر ، وعن محمد ، وعن أبي يوسف من رواية محمد في التفرقة بين الحدود التي لا تأتي عليها في ذلك ، فلا وجه لذلك عندنا ، لأن الحرم [ ص: 314 ] إن كان دخوله يؤمن من العقوبات في الأنفس فهو يؤمن من العقوبات فيما دون الأنفس ، وإن كان لا يؤمن من العقوبات فيما دون الأنفس فإنه لا يؤمن من العقوبات في الأنفس .

                  وقد وجدناه يؤمن الصيد في نفسه ، ويؤمنه في أعضائه فإذا كان في الصيد على ما ذكرنا كان في الآدميين أيضا كما وصفنا ، وهذا ابن عباس ، وابن عمر فقد روينا عنهما في ذلك في هذا الباب ما لم يفرقا فيه بين الأنفس إذا أتت الحدود عليها ، وبين الأعضاء إذا أتت الحدود عليها فذلك عندنا من قولهما أولى مما قد قاله أبو حنيفة ، وزفر ، ومحمد ، وأبو يوسف من رواية محمد ، لا سيما إذا لم نعلم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهما فيما قالا من ذلك وقد روي ذلك عن ابن أبي رباح كما ذهبنا إليه مما :

                  1780 - قد حدثنا أحمد بن داود ، قال حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال أخبرنا الحجاج ، قال قال لي عطاء : إن قذف فيه ، يعني الحرم ، أو سرق أقيم عليه الحد ، وإذا صنع ذلك في غيره ثم لجأ ، يعني إليه ، لم يقم عليه .

                  وقد ذهب قوم إلى أن المراد بالأمان في هذه الآية التي تلونا غير بني آدم ، فأمن أن يصاد أو يهاج وهذا قول لا نعلم لأهله فيه متقدما ، ولا إماما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من تابعيهم وهذا أيضا تأويل غير صحيح في اللغة ، ولا مستقيم في القياس ، فأما فساده في اللغة ، فإن من لا يكون لغير بني آدم ، وإنما يكون مكانها لغير بني آدم ما ، فلا تكون الآية كما تلونا ، فتكون : (وما دخله كان آمنا) وحاشا لله عز وجل أن يكون كذلك فأما ما في كتاب الله عز وجل من إثبات ما لغير بني آدم فيما موضعها لبني آدم من ، فكقول الله عز وجل : ( وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ) ، ولم يقل عز وجل : (إلا من ذكيتم) وكقوله عز وجل : ( وما ذبح على النصب ) ، ولم يقل عز وجل : ومن ذبح على النصب ، وكقوله عز وجل : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ، ولم يقل جل وعز : (ممن لم يذكر اسم الله عليه) في نظائر لذلك كثيرة ، فنستغني بما ذكرنا منها عن بقيتها .

                  [ ص: 315 ] وأما ما في كتاب الله عز وجل من إثبات من في مثل ذلك لبني آدم ، فكقوله عز وجل : ( إلا من تاب ) ، وكقوله عز وجل : ( ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) ، ولم يقل إلا ما تاب وكقوله عز وجل : ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا ) ، وكقوله عز وجل : ( ومن يظلم منكم ) ، في نظائر لذلك كثيرة نستغني بما ذكرنا منها عن بقيتها .

                  وأما فساده في القياس فإنا رأينا الصيد المولود في الحرم محرما كحرمة الصيد الذي يلجأ إلى الحرم من الحل ، فلم تكن حرمة الصيد بدخوله الحرم كما في الآية التي تلونا ، لأنه عز وجل إنما أمن فيها بدخوله الحرم ، لا بالمقام في الحرم ، فاستحال أن يكون ذلك ما يسوى فيه حكم الداخل إلى الحرم وحكم المقيم في الحرم الذي لم يلجأ إليه من غيره وثبت ذلك على ما يختلف فيه حكم الدخول وحكم المقام الذي لا دخول قبله ، وذلك موجود في بني آدم ، وغير موجود في الصيد والأولى بظاهر الآية أن يكون الأمان المذكور فيها يراد به المخاطبون بالعقوبات على الذنوب المتعبدون بالتحليل والتحريم ، لا ما سواهم ممن ليس من أهل العقوبات ، ولا من أهل التعبد بالتحريم والتحليل .

                  تم كتاب المناسك من أحكام القرآن ، والحمد لله وحده وصلوته على سيد المرسلين محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

                  [ ص: 316 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية