الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وإذا كان اللعان كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعد وضع الحمل ، لم يخل ذلك اللعان من أحد معنيين ، أحدهما : أن يكون اللعان كان بالقذف خاصة ، فهذا ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم .

                  والآخر : أن يكون بالحمل بعدما بانت حقيقته ، ووقف عليها منه بوضع المرأة إياه ، فهذا مما لا حجة فيه لمن قال أنه يلاعن بينهما قبل وضع الحمل وقد روي عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما :

                  1976 - قد حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم ، قال حدثنا هشام ، عن محمد يعني : ابن سيرين ، عن أنس بن مالك ، أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروها ، فإن جاءت به أبيض سبطا قصى العينين فهو لهلال بن أمية ، وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء .

                  [ ص: 419 ] قال : فجاءت أكحل جعدا أحمش الساقين .


                  1977 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال حدثنا محمد بن كثير ، عن مخلد بن حسين ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أنس ، أن هلال بن أمية قذف شريك بن سحماء بامرأته ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ائت بأربعة شهداء ، وإلا فحد في ظهرك قال : والله يا رسول الله إن الله يعلم أني لصادق ، يقول ذلك مرارا ، ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد ، فنزلت آية اللعان : ( والذين يرمون أزواجهم ) .

                  قال : فدعي هلال فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة لأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .

                  قال : ثم دعيت المرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فلما كان عند الخامسة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قفوها ، فإنها موجبة للعذاب .

                  قال : فتكأكأت حتى ما شككنا أن ستقر ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت على اليمين .

                  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروا ، فإن جاءت أبيض سبطا قصى العينين فهو لهلال بن أمية ، وإن جاءت به جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء .

                  قال : فجاءت به آدم جعدا حمش الساقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا ما سبق من كتاب الله عز وجل كان لي ولها شأن .


                  قال : القصى العينين : طويل شق العينين ، ليس بمفتوح العينين .

                  وقد روى سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما :

                  1978 - قد حدثنا الربيع المرادي ، قال حدثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، [ ص: 420 ] قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سهل ، أن عويمرا جاء إلى عاصم ، فقال : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله ، أتقتلونه به ؟ سل يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  فجاء عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها ، فقال عويمر : والله لآتين النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ، وقد أنزل الله خلاف قول عاصم ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد أنزل فيكم قرآنا ، فدعاهما ، فتقدما ، فتلاعنا ، ثم قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقها وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها ، فجرت سنة في المتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروها ، فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة فلا أراه إلا وقد كذب عليها ، وإن جاءت به أسحم أغبر ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها .


                  فجاءت به على الأمر المكروه .

                  1979 - حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي ، قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سهل ، فذكر مثل حديث الربيع المرادي عن خالد .

                  ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلا أراه إلا وقد كذب عليها ، ولا أراه إلا وقد صدق عليها ، في الموضعين ، وهذا خلاف ما في غيره ، وهذا عندنا - والله أعلم - أولى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه كان من سنته أن لا ينتفى الولد ببعد شبهه ممن ولد على فراشه كما :

                  1980 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، [ ص: 421 ] ومالك ، وسفيان ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن امرأتي قد ولدت غلاما أسود ، وإني أنكرته فقال : هل لك من إبل ؟ قال : نعم قال : ما ألوانها ؟ قال : حمر قال : فيها من أورق ؟ قال : إن فيها لورقا قال : فأنى ترى ذلك جاءها ؟ قال : يا رسول الله عرق نزعها قال : فلعل هذا عرق نزعه .

                  1981 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء .

                  أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخص له في نفيه عنه لبعد شبهه به ، وضرب له المثل الذي ضربه في هذا الحديث ، فاستحال بذلك عندنا - والله أعلم - أن يكون الولد الذي ولدت امرأة هلال يكون لهلال لشبهه به أو لشريك لشبهه به .

                  ولما عقلنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو لشريك بن سحماء ، في الموضع الذي قاله من هذا الحديث ، ليس على أنه نسب منه ، لأنه ليس بذي فراش للمرأة التي ولدته ، دل ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم ذلك ، وما قاله لهلال من إضافته الولد إلى كل واحد منهما بالشبه به ، لم يكن على تحقيق إثبات نسب ، وإنما كان على غيره على ما ذكره عنه سهل في حديثه هذا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية