الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد اختلف أهل العلم في الفرقة الواقعة باللعان ، هل هي طلاق أم لا ؟ فقالت طائفة : هي تطليقة بائن وممن قال ذلك أبو حنيفة ، ومحمد كما حدثنا محمد ، عن علي ، عن محمد ، عن يعقوب ، عن أبي حنيفة قال محمد : وهو قولنا ، ولم يذكر عن أبي يوسف خلافا لهما فيه .

                  وقالت طائفة : هي فسخ النكاح بغير طلاق . وقد روى بشر هذا عن أبي يوسف في إملائه عليهم ببغداد . وسنذكر الصحيح من القولين فيما بعد إن شاء الله .

                  [ ص: 415 ] أن هذا الزوج القاذف لامرأته ذكره في قذفه إياها أنها حامل من الزنى الذي قذفها به ، وطلبت المرأة بالقذف الذي كان منه ، فإن القذف قد وقع على أمرين ، أحدهما : قذفه إياها في نفسها ، فإن طلبت ملاعنته على ذلك لوعن بينهما كما يلاعن بينهما لو كانت غير حامل ، ثم تكون كامرأة فارقها زوجها وهي حامل .

                  والآخر : نفيه ولدها فإن طلبت اللعان على ذلك فإن أهل العلم مختلفون في ذلك ، فطائفة تقول لا يلاعن بينهما ، لأنه لا حقيقة عندنا أنها حامل الحمل الذي نفاه وممن كان يقول ذلك أبو حنيفة .

                  وطائفة تقول : يلاعن بينهما على ذلك بظاهر الحمل ، وإن كان لا حقيقة فيه ، وينتفي بذلك الحمل عن الملاعن به كما ينتفي لو كان لاعن به بعد انفصاله عن أمه وممن قال ذلك مالك ، والشافعي وقد روي هذا القول عن أبي يوسف وليس بالمشهور عنه .

                  وطائفة تقول : لا يلاعن بينهما قبل وضع الحمل ، ولكن تنتظر به ، فإن وضعته المرأة لأقل من ستة أشهر منذ يوم قذفها لاعنها عليه لو كان قذفها به بعد أن وضعته ، وإن وضعته ، لستة أشهر فصاعدا منذ يوم قذفها به لم يلاعن ، وكان في حكم المحمول به بعد القذف الذي كان من الزوج . وممن قال ذلك محمد ، ورواه عن أبي يوسف ، وقال في روايته هذه : فأما أبو حنيفة فكان يقول : لا لعان بينهما على هذا الولد جاءت به أمه لأقل من ستة أشهر أو لستة أشهر فأكثر منها .

                  وقد روى القائلون أنه يلاعن بينهما قبل وضع الحمل المنفي عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بالحمل .

                  فنظرنا في ذلك فإذا هذا الحديث إنما أتي من قبل الذي اختصره ، وذلك أنه ذكر فيه اللعان والحمل ، فظن أن اللعان كان بالحمل فاختصره على ذلك فأما أصل الحديث في ذلك بلا اختصار فما :

                  1970 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا حكيم بن سيف ، قال حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال قال ابن مسعود : قام رجل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ، فقال : أرأيتم إن وجد رجل مع امرأته [ ص: 416 ] رجلا فإن هو قتله قتلتموه ، وإن هو تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ شديد ، اللهم احكم! فأنزلت آية اللعان .

                  قال عبد الله : فابتلي به ، وكان رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاعن امرأته ، فلما أخذت امرأته لتلتعن قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه فلما أدبرت قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعلها تجيء به أسود جعدا ؟ فجاءت به أسود جعدا .


                  فليس في هذا ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لاعن بينهما بحمل وقد روى هذا الحديث جرير عن الأعمش ثم ذكر بإسناده مثله وقد روي عن ابن عباس مثل هذا المعنى كما :

                  1971 - حدثنا بكار ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن ابن عباس ، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما لي عهد بأهلي منذ عفرنا النخل ، فوجدت مع امرأتي رجلا وزوجها مصفر ، حمش ، سبط الشعر ، والذي رميت به إلى السواد ، جعد قطط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم بين ، ثم لاعن بينهما ، فجاءت به يشبه الذي رميت به .

                  1972 - حدثنا الربيع المرادي ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال حدثني القاسم ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته ، وكانت حبلى ، فقال زوجها : والله ما قربتها منذ عفرنا النخل والعفر أن يسقى النخل بعد أن يترك من السقي بعد الإتيان بشهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم بين ، فزعموا أن زوج المرأة كان حمش الذراعين والساقين ، أصهب الشعر ، وكان الذي رميت به ابن السحماء .

                  [ ص: 417 ] قال : فجاءت بغلام أسود أجلا جعد قطط ، عبل الذراعين ، خدل الساقين .

                  قال القاسم : فقال ابن شداد بن الهاد : يا أبا عباس ، هي المرأة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كنت راجما بغير بينة لرجمتها .

                  فقال ابن عباس : لا ، ولكن تلك المرأة كانت قد أعلنت في الإسلام .


                  1973 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عامر ، قال حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد ، عن القاسم ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بهذا المعنى .

                  وقد روي عن ابن عباس في هذا الحديث بزيادة على ما رويناه كما :

                  1974 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا عبد الله بن صالح ، قال حدثنا الليث ، قال حدثني يحيى بن سعيد ، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ، عن ابن عباس ، قال : ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ، ثم انصرف ، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلا ، فقال عاصم : ما ابتليت بهذا إلا بقولي فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بالذي وجد عليه امرأته ، وكان ذلك الرجل مصفرا ، قليل اللحم ، سبط الشعر ، وكان الذي ادعى عليه انه وجده مع أهله آدم ، كثير اللحم ، خدلا .

                  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم بين ، فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها ، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما :

                  فقال رجل لابن عباس في المجلس : هي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه ؟ فقال ابن عباس : لا ، تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء .


                  [ ص: 418 ] 1975 - حدثنا أبو عبد الرحمن الكثيري المدني وهو محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن كثير بن الصلت الكندي ، قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، قال : حدثني سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم ، عن ابن عباس ، أنه قال : ذكر المتلاعنان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر بقية الحديث عن يوسف بن يزيد حرفا حرفا ، فلم يكن بين الليث ولا سليمان اختلاف إلا قول الليث : ذكر التلاعن ، وقول سليمان : ذكر المتلاعنان والذي قال سليمان عندنا أصح ، لأن آية اللعان إنما أنزلت بعد هذه القصة ، قد ذكرنا ذلك في حديث سهل فيما تقدم ، وحديث ابن عمر .

                  ففي حديث عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، الذي ذكرنا من حديث الليث ، وسليمان ، أن اللعان الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ذينك الزوجين ، كان بعد وضع الحمل ، وليس هذا الحرف في غير هذا الحديث من الأحاديث التي ذكرنا فيما تقدم ، ولا فيما سواها منها مما سنذكره إن شاء الله .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية