الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات ) الآية .

                  قال الله جل ثناؤه : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) .

                  قال أحمد : وكان ذلك دليلا أنه عز وجل قد أمرهم بوقوف عرفة قبل إفاضتهم منها ، غير أنا لم نجده ذكر لنا ابتداء ذلك الوقوف ، أي وقت هو في كتابه ؟ وبينه لنا بفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما :

                  1378 - قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، في حديثه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الصبح يوم عرفة بمنى ، مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فركب ، وأمر بقبة من شعر ، فنصبت له بنمرة ، فسار ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فركب حتى أتى بطن الوادي ، فخطب الناس .

                  ففي هذا الحديث أن دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عرفة كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة ، وقد روي عن عبد الله بن عمر في رواح رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ، أنه كان كذلك كما :

                  1379 - قد حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا خالد بن بزار الأيلي ، قال حدثنا نافع بن عمر الجمحي ، قال : أخبرني سعيد بن حسان ، قال : أرسل الحجاج إلى ابن عمر يوم عرفة ، متى راح النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم ؟ قال : إذا كانت تلك الساعة رحت فأرسل إليه الحجاج رسولا ، وقال : اجلس معه ، حتى إذا راح ، فأخبرني .

                  [ ص: 132 ] قال : فقال ابن عمر : ارتحلوا قالوا : لم تزغ الشمس ؟ قال : فجلس ، ثم قال : ارتحلوا قالوا : لم تزغ الشمس ، فجلسوا حتى راح حين زاغت الشمس .


                  1380 - وكما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال أخبرنا نافع بن عمر ، قال : أخبرني سعيد بن حسان ، فذكر مثله سواء .

                  وقد روي عن سالم بن عبد الله بن عمر ، وعن الزهري ، عن عبد الله بن عمر ، في الرواح إليها كذلك أيضا كما :

                  1381 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، قالا : حدثنا مالك بن أنس - واللفظ لبشر - عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، قال : كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج : أن لا تخالف ابن عمر في شيء مما أمر به من شأن الحج ، فلما كان يوم عرفة جاءه عبد الله بن عمر حين زالت الشمس وأنا معه ، فصرخ به عند سرادقه أين هذا ؟ فخرج عليه الحجاج وعليه ملحفة معصفرة ، فقال : مالك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : الرواح إن كنت تريد السنة . قال : هذه الساعة ؟ قال : نعم . قال : فأنظرني أفيض على ماء ، ثم أخرج فنزل عبد الله بن عمر حتى خرج الحجاج ، فسار بيني وبين أبي ، فقلت له : إن كنت تريد السنة اليوم فاقصر الخطبة ، وعجل الصلاة ، فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر كي يسمع ذلك منه ، فلما رآه عبد الله ، قال : صدق .

                  وفي هذا الحديث حبس من المناسك قد ذكرناه فيما قبل من كتابنا هذا ، وهو خروج الحجاج وعليه معصفرة ، وهو يومئذ محرم ، فلم ينكر ذلك عبد الله عليه ، فدل ذلك على أن ابن عمر لم يكن يرى العصفر من الطيب الذي يحرمه الإحرام على المحرم .

                  1382 - وكما حدثنا عبيد بن محمد البزار ، قال حدثنا أحمد بن صالح ، قال حدثنا عبد الرزاق ، قال أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : كتب عبد الملك إلى الحجاج : [ ص: 133 ] أن اقتدي بابن عمر في مناسكك قال : فأرسل إليه يوم عرفة ، إذا أردت أن تروح فأذنا .

                  قال : فجاء هو وسالم ، قال الزهري وأنا معهما ، حين زاغت الشمس ، فوقف ابن عمر بفنائه ، فقال : ما تحبسه ، فلم يلبث أن خرج الحجاج ، فقال : إن أمير المؤمنين كتب إلي أن أقتدي بك ، وأن آخذ عنك . فقال له سالم : إن أردت السنة فأوجز الخطبة والصلاة .


                  قال الزهري : وكنت يومئذ صائما ، فلقيت من الحر شدة قال عبد الرزاق : فقلت لمعمر : أسمع الزهري من ابن عمر ؟ قال : سمع منه حديثين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية