الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  قال قائل : فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤكد أمر المتعة على المطلقين ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنة قيس في حديث الليث الذي رويناه في الباب الذي قبل هذا ، عن عبد الله بن يزيد ، عن أبي سلمة ، عن فاطمة ابنة قيس : ليس لك نفقة ولا سكنى ، ولكن متاع بالمعروف .

                  ففي قوله صلى الله عليه وسلم : ليس لك نفقة ولا سكنى ، ولكن متاع بالمعروف ، دليل على وجوب المتاع لها ، وإنه بضد السكنى والنفقة الساقطين عنه .

                  قيل له : في هذا الحديث ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكم لها بذلك ، وأنه إنما كان منه لها بطريق الفتيا ، لأن فيه أن عياش بن أبي ربيعة قال لها : ما لك علينا من نفقة ، ولا من سكنى ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه وكان الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فتيا جوابا لسؤالها .

                  وأما أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد فكانوا يجعلون للمطلقات جميعا المتعة اختيارا ، لا وجوبا يحكمون به غير المطلقة قبل الدخول ، ولم يسم لها صداق ، فإنهم كانوا يوجبون لها المتعة ، ويحكمون بها لها على مطلقها .

                  وأما مالك بن أنس رحمه الله فحدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : سئل مالك عن الرجل يطلق المرأة قبل أن يدخل بها ، ولم يفرض لها ، أيقضى عليه بالمتعة ؟ فقال : لا يقضى بها ، إنما قال الله عز وجل : ( حقا على المتقين ) ، وقال عز وجل : ( حقا على المحسنين ) ، فذلك مما ينبغي له أن يفعله ، ومما يؤمر به ، فأما أن يقضى به عليه فلا .

                  قال : وقال لي مالك في المختلعة والملاعنة والمبارئة : ليس لواحدة منهن متاع .

                  [ ص: 371 ] وأما الشافعي فذكر لنا المزني ، قال قال الشافعي : المتعة للمطلقات ، والمتعة على كل زوج طلق ، ولكل زوجة ، إذا كان الفراق من قبله ، أو يتم به مثل أن يطلق ، أو يخالع ، أو يملك ، وإذا كان الفراق من قبلها فلا متعة لها ولا مهر ، لأنها ليست بمطلقة ، ولكن إذا كانت أمة فباعها سيدها من زوجها فهو أفسد النكاح بابتياعه إياها وأما الملاعنة فإن ذلك منه ومنها ، ولأنه إن شاء أمسكها ، فهي كالمطلقة وأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ، فلها عندي المتعة ، والله أعلم .

                  قال المزني : هذا عندي غلط ، وقياس قوله : أن لا متعة لها ، لأن الفراق من قبلها دونه .

                  ولما اختلفوا في المتعة هذا الاختلاف ، ولم نجد عن أحد قط سواهم من أهل العلم فيها قولا ، إلا ما قد دخل في هذه الأقوال التي ذكرناها في هذا الباب ، ولم نجدهم اتفقوا على وجوبها ، وإلزام الزوج إياها في موضع من المواضع التي يأمرونه بها فيها ، ولم يكن إيجابها على الزوج مما يدرك بالقياس ، ولم نجدها واجبة في كتاب الله ، ولا سنة ، ولا إجماعا ، ولم نجد لها مثلا نعطفها عليه ونردها إليه ، ولم نردها إلى الأصدقة إذ كانت الأصدقة أضدادا لها من ذلك إنا رأينا الرجل إذا تزوج المرأة على صداق مسمى ، فإن طلقها قبل أن يدخل بها وجب لها نصف ذلك الصداق .

                  ورأيناه لو مات أحدهما قبل الدخول وجب للمرأة الصداق كله ، وكانت الفرقة بالموت أوكد حالا في إيجاب الأصدقة للزوجات ، ورأينا أهل الأقوال الذين ذكرنا في المنع يقولون : إذا مات الزوج فالمتعة غير محكوم بها في ماله فكانت المتعة تسقط بإجماعهم في الموضع الذي يجب فيه الصداق بإجماعهم في الموضع الذي يجب فدل ذلك على أنها ضد للصداق ، لا مثل ولما كانت كذلك كان الأولى بنا أن لا نجعل شيئا على أحد واجبا محكوما به عليه حتى نعلم وجوب ذلك عليه ، فثبت بذلك أن لا متعة واجبة على أحد بعد طلاق قبله دخول ، أو لا دخول قبله كما قال مالك فيما حكيناه عنه في هذا الباب .

                  [ ص: 372 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية