الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد روينا عن جابر وقوفه على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج فيما تقدم منا في هذا الباب . ثم :

                  1297 - قد حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا سليمان بن حرب ، قال حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : متعتان فعلناهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نهى عنهما عمر ، فلن نعود إليهما .

                  ولا يجوز - عندنا - على جابر أن يكون ترك شيئا قد علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد قيام الحجة عليه بنسخه ، أو بثبوت الخصوصية فيه لمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن عبد الله بن هلال ، وهو رجل قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في فسخ الحج أيضا كنحو ما روي عن أبي ذر فيه . وذلك أن ابن أبي داود ، .

                  [ ص: 92 ] 1298 - حدثنا ، قال حدثنا إسحاق بن محمد الفروي ، قال حدثنا محمد بن جعفر ، عن كثير بن عبد الله ، عن بكر بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن هلال صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه بعمرة .

                  1299 - وأن محمد بن خزيمة ، حدثنا ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا عبد الوهاب ، عن يحيى بن سعيد ، قال : حدثني كثير بن عبد الله رجل من بني مزينة ، عن بعض أجداده أو أعمامه ، أنه قال : ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه بعمرة .

                  وهذا مما لا يجوز على أحد ، له من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة ، أن يقوله رأيا ، إذ كان ذلك لا يوجد من جهة الرأي ، ولم يقله - عندنا - من قاله منهم إلا بعد التوقيف الذي قد وجب عليهم ترك ما كانوا فعلوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتمسك بما قد وقفوا عليه من ذلك .

                  فلما وجدنا في فسخ الحج الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفعلوه التوقيف منه إياهم على الخصوصية بذلك ، وعلى منع من سواهم منه ، علمنا بذلك أن الناس جميعا بعد فسخهم حجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ممنوعون من الخروج من الحج إلا بإتمامه ، إلا أن يصدوا عن البيت ، فيكون لهم ما قد جعله الله عز وجل لمن أحصر بالحج مما سنأتي به بعد من كتابنا هذا إن شاء الله .

                  وفيما روينا وصححنا مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع ، ما قد جمع الناس فيها الإحرام بالحج خالصا ، والإحرام بالعمرة ، وإضافة الحج إليها ، حتى يكون الذي يفعل ذلك قارنا كما فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره من إدخال الحج على العمرة التي عاد حجهم إليها ، والتمتع بالعمرة إلى الحج ، برجوع حجهم إلى عمرة ، وإحرامهم بالحج بعد ذلك وبعد طوافهم قبل ذلك العمرة ، حتى صاروا بما فعلوا من ذلك متمتعين ، وأن من تمتع بالعمرة إلى الحج ، وساق الهدي لإحرامه لم يحل بين عمرته وبين حجته ، كما لم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ ص: 93 ] حجته التي قد عادت إلى عمرة لسياقه الهدي حتى حل من العمرة مع حله من الحجة التي أحرم بها بعدها .

                  1300 - وقد حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما شأن الناس حلوا بعمرة ، ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر .

                  فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه لولا سياقته الهدي لكان قد حل من عمرته التي عاد إحرامه إليها ، كما حل عامة أصحابه الذين عاد حجهم إلى عمرة ممن لا هدى معه ، ودل قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفصة قولها " ولم تحلل أنت من عمرتك " ، وتركه التكثير في ذلك عليها ، أنه لم يكن قبل إحلاله إلا في مثل ما كان أصحابه من الحجة التي كانوا أحرموا بها إلا من عمرة معها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية