الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فإن قال قائل : ولم كان ذلك على من عجز عن الصوم ممن ليس بواجد للرقبة فعاد في حكمه إلى الإطعام ، ولم يشترط الله عز وجل في ذلك كما اشترط فيما قبله بقوله : ( من قبل أن يتماسا ) ، في المعنيين المتقدمين في الآية ؟

                  قيل له : يجب ذلك لمعنيين ، أحدهما ما ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الظهار التي ذكرنا في أول هذا الباب ، أنه لم يطلق المماسة للمظاهرين فيها حتى يفعلا ما أمرهما الله عز وجل والآخر أن الفرائض التي هي أبدال من أشياء قبلها إذا عدمت ، فلم يقدر عليها عادما كان قبلها ، فصار ثابتا ، فلم يحل الجماع حتى يفعل ، كما لا يحل الجماع لمن كان قادرا على العتق أو الصيام حتى يفعله ، أن لا ترى أن فرض الله عز [ ص: 406 ] وجل على عباده التطهير بالماء ، فإن عدموه وجب عليهم التيمم بالصعيد ، فإن عدموه لم يسقط فرضه عنهم ، لا إلى فرض سواه ، بل قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة بغير طهور .

                  1964 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال حدثنا زائدة بن قدامة ، عن سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد ، عن ابن عمر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله عز وجل صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول .

                  فنفى بذلك أن تكون الصلاة مقبولة إلا بطهور يتطهر به وكذلك ما عدم من الفرائض التي ذكرنا مما بعضها أبدال من بعض إذا سقط البدل المؤخر منها عاد وجوب البدل الذي قبله .

                  واختلف أهل العلم في الظهار ، هل يلحق الإماء اللائي غير زوجات من مواليهن أم لا ؟ فقالت طائفة : يلحقهن الظهار من مواليهن كما تلحق الزوجات من أزواجهن وقد روي هذا القول عن إبراهيم النخعي ، ومالك بن أنس .

                  وقالت طائفة : لا يلحقهن ظهار وممن قال ذلك أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد كما حدثنا محمد ، عن علي ، عن محمد ، عن يعقوب ، عن أبي حنيفة ، ولم يحك خلافا وكذلك الشافعي يذهب إليه كما ذكر لنا المزني عنه .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه فوجدنا الطلاق لا يقع على غير الزوجات ، ووجدنا الإيلاء كذلك لا يقع على غير الزوجات ، وكان تأويل قول الله عز وجل عندهم جميعا : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) ، على النساء الزوجات ، لا على المملوكات غير الزوجات وكذلك قوله عز وجل : ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ) [ ص: 407 ] ، الآية فكان ذلك على الزوجات ، لا على من سواهن ، فكان القياس على ذلك أن يكون الظهار كذلك ، وأن يكون قوله عز وجل : ( والذين يظاهرون من نسائهم ) ، الآية على النساء الزوجات ، لا على من سواهن .

                  فاحتج محتج في ذلك بقوله عز وجل : ( وأمهات نسائكم ) ، قال : فقد دخل في هذه الآية أمهات الإماء الموطآت كما دخل فيها أمهات الزوجات المنكوحات .

                  قيل له : وقد دخل في هذه الآية عندنا وعندك أمهات النساء المزوجات نكاحا فاسدا الموطآت على ذلك ، ولم يكن دخول أمهاتهن في ذلك موجبا التظاهر من بناتهن ، أن لا ترى أن رجلا لو تزوج امرأة نكاحا فاسدا فجامعها على ذلك ، أن أمها حرام عليه ، وأنه لو ظاهر من ابنتها لم يكن مظاهرا فلما ثبت في هذه الآية دخول أمهات النساء المجامعات على النكاح الفاسد ، ولم تدخل بناتهن في آية الظهار ، احتمل أن يكون دخول أمهات الإماء المجامعات في آية التحريم غير موجب دخول بناتهن في آية الظهار ، فسقطت بذلك حجة هذا المحتج الذي احتج بها على مخالفيه .

                  ولما سقط ذلك طلبنا الوجه في هذا المختلف فيه ، فوجدنا الظهار هو طلاق أهل الجاهلية الذي كانوا يطلقونه نساءهم أن لا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لخولة لما سألته عن تظاهر زوجها : قد حرمت عليه ، وإلى قولها : إلى الله أشتكي ، أي لمكان الفرقة التي حدثت بينهما بتظاهره ، وإلى ما أنزل الله عز وجل فيهما بعد ذلك ، فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحهما ، وأوجب على المتظاهر ما أوجب الله عز وجل عليه في الآية التي أنزلها ، فصار الظهار في الإسلام خلفا من الطلاق في الجاهلية فلما كان الطلاق لا حظ للمملوكات غير الزوجات فيه كان كذلك الظهار ، لا حظ للمملوكات غير الزوجات فيه .

                  فإن قال قائل : إن الظهار إنما ألحقناه المملوكات لأنه تحريم قيل له : إن التحريم الذي يلحق الإماء عند من يلحقهن إياه بقول مواليهن : أنتن علي حرام ، إنما هو في التحريم [ ص: 408 ] العام الذي يلحق الأشياء التي ينتفع بها من الطعام والشراب واللباس وسائر ما ينتفع به الناس سوى ذلك ، فيحرمونه على أنفسهم بقولهم : هو علينا حرام ويوجب ذلك الكفارة ، إن يستحل ، عند الذين يوجبون على الكفارة في ذلك ، وإن كان كثير من أهل العلم لا يوجبون كفارة في ذلك ، ولا يجعلون لهذا القول معنى وسنذكر هذا الباب ، وما قال أهل العلم فيه في تأويل قول الله عز وجل : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ، وفي قوله بعد ذلك : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) ، في كتاب الأيمان من أحكام القرآن .

                  فلما كان التحريم الذي يلحق الإماء غير الزوجات تلحق هذه الأشياء كما تلحق الزوجات في قول من يذهب إلى ذلك وكان الرجل إذا قال : ثوبي على كظهر أمي ، وهذا الطعام على كظهر أمي ، أو هذا الشراب على كذلك ، لا يوجب ذلك حرمة عليه ، ولا وجوب كفارة في انتهاكه إياه عليها بذلك إن الظهار من غير هذا الجنس ، وإنه إنما يكون في خاص من الأشياء ، وإنه لا يدخل في الخاص إلا ما تقوم الحجة توجب دخوله فيه ، ولا حجة نعلمها توجب التظاهر من الإماء غير الزوجات فلما انتفى ذلك كان الأولى بنا أن يكون على أصولهن ، وعلى حلهن الذي كن عليه قبل تلك الحادثة التي كانت من مواليهن .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية