الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد روي عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار نحن ذاكروها فيما بقي إن شاء الله ، فمنها ما :

                  2069 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال حدثنا سليمان بن حرب [ ص: 472 ] الواسحي ، قال حدثنا مبارك بن فضالة ، قال : حدثني عبيد الله ، عن أبي ، قال : وقال ميمون ، عن عمي ، قال : وحدثتني أمي ، وأهلي ، أن جدي ، قال لعمر بن الخطاب : كاتبني ، قال اعرض قال : قلت : مائة أوقية قال : فما استزادني ، فأراد شيئا يعطينيه فلم يجد ، فأرسل إلى حفصة : إني قد كاتبت غلامي ، وإني أريد أعطيه شيئا ، فابعثي إلى بدراهم ، فأرسلت إليه بمائتي درهم ، فقال : خذها ، بارك الله لك فيها .

                  قال : فبارك الله لي فيها ، قد أعتقت غير واحد منها قال : فاستأذنته فقلت : يا أمير المؤمنين ، إني أريد أن تأذن لي أن آتي العراق ؟ قال : أنا قد كاتبتك ، فاذهب حيث شئت .

                  قال : فأراد موالي لبني غفار أن يصحبوني ، فقالوا : كلم أمير المؤمنين أن يكتب لنا كتابا نكرم به قال : وعلمت أنه سيكره ذلك ، فكلمته فانتهرني ، وما انتهرني قبلها ، فقال : أتريد أن تظلم الناس أنت أسوة المسلمين ؟ قال : فخرجنا ، فلما قدمنا جئت معي بنمط وطنفسة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذان هدية لك قال : فنظر إليهما فأعجباه ، ثم ردهما علي ، وقال : إنه قد بقيت بقية من مكاتبتك ، فاستعن بهما في مكاتبتك .


                  ففي هذا أن عمر رضي الله عنه لم يضع عنه من مكاتبته التي كاتبه عليها شيئا ، وإنما أعانه بشيء من غير المكاتبة ، ففي ذلك ما دل أن تأويل قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) كان عنده على الندب والحض ، لا على الوجوب .

                  2070 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء ، عن مسلم بن أبي مريم ، عن عبد لعثمان ، قال : بعثني عثمان أمير المؤمنين في تجارة ، فقدمت عليه فأحمد ولايتي ، فقمت إليه ذات يوم ، فقلت : إني أريد الكتابة ، فقطب ، ثم قال : نعم ، ولولا آية في كتاب الله عز وجل ما فعلت ، أكاتبك على مائة ألف ، على أن تعدها لي في عدتين ، والله لا أغضك منها درهما .

                  [ ص: 473 ] قال : فخرجت من عنده ، فتلقاني الزبير بن العوام ، فقال : ما الذي أرى بك ؟ قلت : كان أمير المؤمنين بعثني في تجارة ، فقدمت عليه ، فأحمد ولايتي ، فقمت إليه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، أسألك الكتابة قال : فقطب ثم قال : لولا آية في كتاب الله ما فعلت ، أكاتبك على مائة ألف على أن تعدها لي في عدتين ، والله لا أغضك منها درهما .

                  قال : ارجع قال : فدخل عليه ، فقام قائما ، فقال : يا أمير المؤمنين ، فلان كاتبته ؟ قال : فقطب ، ثم قال : نعم ، ولولا أنه في كتاب الله ما فعلت ، أكاتبه على مائة ألف على أن يعدها لي في عدتين ، والله لا أغضه منها درهما .

                  قال : فغضب الزبير ، وقال : والله لأمثلن بين يديك قائما أطلب إليك حاجة تحول دونها بيمين ، وقال بيده هكذا : كاتبه .

                  قال : فكاتبته ، وانطلق بي الزبير إلى أهله ، فأعطاني مائة ألف ، وقال : انطلق فاطلب فيها من فضل الله ، فإن غلبك أمر فأد إلى عثمان ماله منها .

                  قال : فانطلقت ، فطلبت فيها من فضل الله ، فأديت إلى عثمان ماله ، وإلى الزبير ماله ، وفضلت في يدي ثمانون ألفا .

                  ففي هذا دليل أن عثمان قال : أكاتبه على مائة ألف على أن تعدها لي في عدتين ، والله لا أعضه منها درهما ، فدل ذلك على أن معنى قول الله عز وجل : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) عند عثمان على الندب ، لا على الحتم وقد وقف الزبير من عثمان على ما كان منه ، وخاطبه عثمان به فلم ينكره عليه ، فدل ذلك على متابعته إياه عليه ، وعلى أن مذهبه كان في تأويل هذه الآية التي تلونا كمذهب عثمان رضي الله عنهما فيه .

                  وهذا من عثمان والزبير رضي الله عنهما وكان مثله من عمر رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواهم ، فلم ينكر ذلك منكر ، ولم يخالفهم في ذلك مخالف فدل ذلك على اتفاقهم جميعا عليه ، وعلى استواء مذهبهم رضوان الله عليهم .

                  [ ص: 474 ] 2071 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، قال : شهدت أبا عبد الرحمن السلمي ، فكاتب غلاما له على أربعة آلاف درهم ، وشرط عليه إن عجز رد في الرق ، وما أخذت منك فهو لي ، فوضع عنه ألف درهم من الأربعة آلاف ثم قال : سمعت خليلك عليا رضي الله عنه ، يقول : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) هو الربع .

                  ولم يكن عندنا في هذا حجة لواحد من الفريقين اللذين ذكرنا على الفريق الآخر منهما ، لأنه يحتمل أن يكون علي تأول قوله عز وجل : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) على الندب والحض ، لا على وجوب ذلك والحتم ، فرأى أن يوضع بذلك عن المكاتب ربع الكتابة من غير إجبار يلزم مولاه في ذلك ، ولا إيجاب عليه كما أمرنا بالإطعام من الأضحية ، ووقت في ذلك ابن مسعود الثلث منها ، ولم يكن ذلك على الوجوب عنده ، ولا على التوقيت الذي لا يجزئ دونه وقد يجوز أن يكون ما روينا عن علي من هذا على الوجوب ، وعلى التوقيت الذي لا يجزئ دونه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية