الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  واختلفوا في الفرقة الواجبة بسبب اللعان متى تقع بين الزوجين حتى يزول بها النكاح الذي بينهما بعد إجماعهم أنهما لا يقران على نكاحهما بعد اللعان الذي كان بينهما :

                  فقالت طائفة : إذا تم اللعان بينهما وفرغا منه عند الحاكم وقعت الفرقة بينهما ، فإن لم يقل الحاكم لهما : قد فرقت بينكما وممن قال ذلك مالك وزفر .

                  [ ص: 412 ] وقالت طائفة : إذا فرغ الزوج من اللعان وقعت الفرقة ، ثم تلاعن المرأة بعد ذلك ، ولا نكاح بينها وبين القاذف لها وممن قال ذلك الشافعي ، ولم يحك هذا القول عن أحد ممن تقدمه من أهل العلم .

                  وقالت طائفة : هما زوجان على حالهما التي كانا عليها قبل اللعان حتى يقول الحاكم : قد فرقت بينكما ، فيزول بذلك النكاح الذي كان بينهما ، وما لم يقل الحاكم لهما ذلك ، وإن فرغا من اللعان ، لم يزل النكاح وممن قال ذلك أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد كما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد في إملائه قال محمد : وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف .

                  ولما اختلفوا في ذلك وجب النظر فيما اختلفوا فيه ، فوجدنا هذا اللعان الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العجلاني وامرأته هو أول لعان كان في الإسلام ، ووجدنا الآية التي فيها اللعان إنما أنزلت فيه وفي صاحبته ، وكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم في ذلك ، ومراد الله عز وجل فيه حتى علمه الناس منه ، ووجدنا حقوقا تجب بالفرق لكل واحد من الزوجين على صاحبه ، وحقوقا لله عز وجل تجب عليهما في تلك الفرق ، فاستحال عندنا - والله أعلم - أن تكون فرقة توجب هذه المعاني وقعت عند فراغ الزوج من اللعان ، أو عند فراغ المرأة ، لا يعلمهما إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يفعلا الواجب عليهما فيها أن لا ترى أن الفرقة إذا وقعت بينهما أوجب على المرأة العدة من الزوج ، وإن من حقوق الزوج تحصينها فيها ، وإسكانها إلى انقضائها ، وإن من حقوق المرأة أخذه بالواجب لها من السكنى في أقوال هؤلاء القائلين ، وإن عليها أن لا تسافر ، وأن لا تبيت عن منزل زوجها المفارق لها ، فاستحال عندنا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، وثبت بسكوته عما وصفنا أنه لم تكن فرقة بينهما إلى أن فرق الفرقة المذكورة في حديث ابن عمر ، وفي حديث سهل اللذين ذكرنا ثم في حديث سهل خاصة أن عويمرا قال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه وزوجته من اللعان : كذبت عليها إن أمسكتها ، فطلقها ثلاثا ، ولم يأمره رسول الله صلى الله عليه [ ص: 413 ] وسلم بطلاقها ، فدل ذلك أن النكاح قد كان عند عويمر قائما إلى الآن ، وهو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كان عليه من ذلك فلم ينكره ولم يعلمه أن المرأة التي طلقها ممن لا يقع طلاقه عليها والقائلون بالقولين الأولين يقولون : لا يقع الطلاق على المرأة البائن من زوجها في عدتها ، وقد أنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الطلاق على المطلق ، وألزمه إياه ، فعلى أي معنى كان هذا الطلاق لهذه المرأة ؟ فأهل هاتين المقالتين خارجون عن ذلك المعنى ، قائلون بخلافه ، وفي ثبوت تفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما دليل على أنهما لا يبقيان على النكاح أبدا غير أنه يحتمل أن يكون فرق بينهما للطلاق الذي كان ، أو بأسباب اللعان ورأينا اللعان ابتداؤه كان من الحاكم ، وقد ذكرنا فيما تقدم أن الأشياء ترجع أواخرها إلى حكم أوائلها ، وأن ما كان أوله منها لا يكون إلا بالحاكم ، فآخره لا يكون إلا به ، وما كان أوله بغيره كان آخره كذلك ، وشرحنا ذلك في موضعه شرحا يغنينا عن إعادته فلما كان ما ذكرنا كذلك وجب أن يكون اللعان أيضا كذلك ، وأن يكون أوله لما كان بالحاكم ، لا بغيره ، أن يكون آخره كذلك ، وأن يكون بالحاكم لا بغيره فهذه الحجة عندنا لازمة لأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد على أهل المقالتين الأوليين غير زفر ، فإنا لا ندري هل من قوله أن الطلاق يلحق المعتدة البائن من الذي تعتد منه في عدتها أم لا ؟ فإن كان هذا اللعان وقع بين هذين الزوجين قبل أن يدخل الزوج بالمرأة ، ووقعت الفرقة بينهما بما يجب وقوعها مما قد ذكرنا عن أهل العلم في هذا الباب ، فإنها فيما يجب لها من الصداق على زوجها كالمطلقة قبل الدخول ، أو كالبائن من زوجها قبل الدخول بفرقة جاءت من قبل زوجها وإن لم يكن طلاقا ، فإن كان قد سمى لها صداقا فلها نصف ما سمى لها ، وإن كان لم يسم لها صداقا فهي كالمطلقة أو كالبائن ، والقول في ذلك كما ذكرنا في باب المتعة من كتاب النكاح ، وهذا فلا نعلم فيه اختلافا غير شيء يروى عن أبي بردة يدل أن مذهبه كان في ذلك أن هذه الفرقة في حكم الفرق اللاتي تأتي من قبل الزوجات قبل الدخول والأصداق لها فيها ، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله .

                  [ ص: 414 ] فإن كانت هذه الزوجة قد دخل بها قبل ذلك والمسألة على حالها ، فإن لها الصداق كاملا على زوجها وإن كان قد سمى لها فلها جميع ما سماه وإن كان لم يسم لها فلها عليه صداق بمثلها من نسائها ، لا وكس عليها فيه ، ولا شطط فيه على زوجها وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما :

                  1969 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى بني العجلان ، وقال لهما : حسابكما على الله ، الله يعلم أن أحدكما كاذب ، لا سبيل لك عليها .

                  قال : يا رسول الله ، صداقي الذي أصدقتها قال : لا مال لك ، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منه .


                  وهذا الحديث قد دل على أن الزوجة تستحق بدخول زوجها بها مرة واحدة من الصداق في فرقة إن وقعت بعد ذلك ، ما تستحق عليه بطول المدة في المجامعة ، ولا نعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم غير شيء روي عن أبي بردة أنه فرق بين متلاعنين ، وأمر المرأة ترد الصداق على زوجها المتلاعن لها ، وأن سعيد بن جبير ، وكان كاتبه ، خالفه في ذلك ، ورده عليه حتى أغضبه ، وهذا عندنا من قوله شاذ ، لا نعلم له فيه متابعا عليه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية