الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وينبغي للإمام أن يصلي بالناس بعرفة الظهر والعصر جميعا جامعا بينهما في وقت الظهر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فعل في حجته كما :

                  1393 - قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، في [ ص: 137 ] حديثه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من خطبته بعرفة ، أقام بلال ، فصلى الظهر ، ثم أقام ، فصلى العصر ، لم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب حتى أتى الموقف ، فاستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت جليا حين غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه .

                  وهذا مما لا نعلم فيه اختلافا بين أهل العلم جميعا ، وفي هذا الحديث حرف زائد على حكم الصلاة بعرفة ، وهو استقبال القبلة بالدعاء ، فكذلك ينبغي للواقفين بعرفة أن يستقبلوا القبلة في وقت الدعاء .

                  فإن فاتت رجلا بعرفة الصلاتان جميعا مع الإمام ، فأراد أن يصليهما جميعا بعده ، أو فاتته الأولى منهما فصلاها وحده ، وأراد أن يصلي الثانية بعد ذلك مع الإمام ، أو وحده ، فإن أهل العلم قد اختلفوا في ذلك ، فكانت طائفة منهم تقول : يصليهما جميعا إذا فاتته بعد الإمام وحده كما كان يصليهما مع الإمام ، ويصلي الأولى منهما إذا فاتته وحده ، ثم يصلي الثانية مع الإمام إن أدركه ، أو يصليهما وحده كما كان يصليهما مع الإمام أو أدركهما معه وكانوا يقولون : إنما الجمع بين هاتين الصلاتين وتقديم الثانية بينهما إلى وقت الأولى منهما للحاج بسبب الوقوف بعرفة للدعاء ، فسواء صلينا مع الإمام أو صلينا دون الإمام ، وقد روي هذا المذهب عن عبد الله بن عمر ، وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

                  1394 - حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال حدثنا خالد بن نزار الأيلي ، قال حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يصلي الصلوات في مواقيتها إلا في عرفات والمزدلفة ، فإنه كان يجمعهما ، شهد الإمام أو لم يشهد .

                  1395 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا عبد العزيز ابن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يجمع بين الصلاتين بعرفة ، شهدهما مع الإمام أو صلاهما في رحله .

                  [ ص: 138 ] 1396 - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال حدثنا نعيم بن حماد ، عن ابن الأندراوردي ، عن علقمة ، عن أمه ، عن عائشة ، أنها كانت تصلي الصلاتين كلتيهما ، الظهر والعصر ، جميعا معا ، تجمع بينهما في منزلها ، ثم تروح إلى الموقف .

                  وهكذا كان أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن يذهبان إليه في هذا الباب كما قد حدثنا محمد بن العباس ، قال حدثنا علي بن معبد ، قال أخبرنا محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف ، وعن علي ، عن محمد بما ذكرنا عن كل واحد منهما من ذلك .

                  وكانت طائفة منهم تقول : ليس لأحد أن يجمع بينهما في وقت الأولى منهما إلا أن يصليهما مع الإمام ، فإن فاتته مع الإمام صلى كل واحد منهما في وقتها في سائر الأيام وكذلك إن فاتته الأولى منهما مع الإمام ، فصلاها وحده ، لم يكن له أن يصلي الثانية مع الإمام ، ولا وحده إلا في وقتها في سائر الأيام سوى يوم عرفة .

                  وقد روي هذا المذهب عن إبراهيم النخعي كما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي حنيفة ، عن حماد عن إبراهيم .

                  وهكذا كان أبو حنيفة يقول في ذلك أيضا كما حدثنا محمد بن العباس ، عن علي ، عن محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة .

                  ولما اختلفوا في ذلك كما ذكرنا ، نظرنا فيما اختلفوا فيه منه فوجدنا صلاتي الظهر والعصر في يوم عرفة قد عرتا للحاج عما كانتا عليه في سائر الأيام سوى يوم عرفة ، وعما أمرنا عليه لغير الحاج بعرفة وبغيرها من البلدان . فاحتمل أن يكون ذلك كصلاة الجمعة التي جعلت مكان الظهر في سائر الأيام ، وجعل القوام بها ولاة الأمور لم يجعل لأحد سواهم أنه يصليها دونهم واحتمل أن يكون على غير ذلك ، فوجدنا الصلاتين اللتين ذكرنا بعرفة للإمام بلا اختلاف علمناه بين أهل العلم ، أن يصليهما إذا كان بعرفة حاجا وإن لم يكن معه جماعة ، ووجدنا صلاة الجمعة ليس للناس أن يصلوها دون ولاة الأمور ، وليس لولاة الأمور أن يصلوها دون الناس ، أن لا ترى أن إماما لو أراد أن يصلي الجمعة وحده إن ذلك لا يجوز له فلما كان ولاة الأمور يحتاجون إلى الجماعة في الجمعة كما تحتاج [ ص: 139 ] الجماعة فيها ، وكان ولاة الأمور لا يحتاجون إلى الجماعة في صلاتي الظهر والعصر بعرفة ، كان كذلك الجماعة غير محتاجة في ذلك إلى ولاة الأمور فهذا هو القياس عندنا في ذلك على ما قاله أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن فيه مع ما تقدمهما مما قد رويناه فيه عن عبد الله بن عمر ، وعن عائشة في هذا الباب ، والله أعلم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية