الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم )

                  قال الله عز وجل : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ) ، إلى آخر الآية روي عن عبد الله بن مسعود في سبب نزول هذه الآية ما :

                  1965 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا يحيى بن حماد ، قال حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : بينا نحن عشية جمعة في [ ص: 409 ] المسجد إذ قال رجل : إن أحدنا رأى مع امرأته رجلا ، فإن هو قتله قتلتموه ، وإن هو تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ شديد ، اللهم احكم فأنزلت آية اللعان .

                  قال عبد الله : فكان ذلك الرجل أول من ابتلي .

                  وروي عن ابن عمر في سبب نزولها ما :

                  1966 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال حدثنا أبي ، قال حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبو المنذر أسد بن عمرو البجلي ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير ، قال : دخلت على ابن عمر ، فسألته : هل يفرق بين المتلاعنين ؟ فحدثني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الرجل يرى مع امرأته الرجل ، فإن سكت سكت على أمر عظيم ، وإن تكلم تكلم بأمر عظيم .

                  قال : فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه فقال : قد ابتليت بالذي سألتك عنه قال : ونزلت هذه الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة النور فخوفه ، وقال : عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وذكره ، فقال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ودعا المرأة فذكرها ، وقال : عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقالت : والذي بعثك بالحق إنه لكاذب قال : فقام الرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم قامت المرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ثم فرق بينهما :

                  [ ص: 410 ] ففي هذا الحديث ما في الأول عن قوله : وإن تكلم جلدتموه وفيه كيفية اللعان ، وتفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين بعد تمامه ، وتخويفه كل واحد منهما مما خوفه منه .


                  وقد روي عن سهل بن سعد في سبب نزولها ما :

                  1967 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : وأخبرني مالك ، عن ابن شهاب ، أن سهل بن سعد ، أخبره ، أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي ، فقال له : أرأيت يا عاصم لو أن رجلا وجد رجلا مع امرأته ، أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ سل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر ، فقال : يا عاصم ، ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عاصم لعويمر : لم تأتني بخير ، فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر : والله لا أنتهي حتى أسأله عنها ، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس ، فقال : يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أنزل فيك وفي صاحبتك ، فاذهب فأت بها .

                  قال سهل : فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغا قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكها ، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  قال ابن شهاب : وكانت سنة المتلاعنين .


                  1968 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله الفهري ، وغيره ، عن ابن شهاب ، عن سهل ، بنحو ذلك ، وقال : فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ما صنع [ ص: 411 ] عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة . قال سهل : فحضرت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا .

                  ففي هذا الحديث مثل ما في حديث ابن مسعود غير قوله : وإن تكلم جلدتموه وفيه ملاعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين اللذين حدث الأمر الذي من أجله كان اللعان بينهما ، وفيه تفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فهذا ما روي في سبب نزول هذه الآية التي تلونا .

                  ثم اختلف أهل العلم في الرمي الذي يوجب هذا اللعان ما هو ، فقالت طائفة : هو قول الزوج لامرأته : رأيتك تزنين ، لا ما سواه من قوله لها : يا زانية وممن قال ذلك مالك وجماعة من أهل المدينة .

                  وقالت طائفة : هو قول الرجل لامرأته : رأيتك تزنين ، وقوله لها : يا زانية كل واحدة منهما في قولهم يوجب اللعان الحادث بينهما ، وممن قال ذلك أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد في جماعة من الكوفيين ، وممن سواهم ، والشافعي .

                  ولما اختلفوا في ذلك وجب النظر فيما اختلفوا فيه ، فرأيناه عز وجل قد قال في الآية التي قبل آية اللعان من سورة النور : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) ، إلى آخر الآية .

                  فكل ذلك الرمي المذكور فيها هو الرمي بالزنى ، كانت الرواية مذكورة فيه أو لم تكن فلما كان الرمي المذكور في الآية الأولى هو ما ذكرنا ، كان الرمي المذكور في الآية الثانية كذلك ، فثبت بما وصفنا ما قال أهل المقالة الثانية .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية