الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  قال الله عز وجل : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ، فاختلف أهل العلم في الأقراء المذكور في هذه الآية ما هي .

                  فقالت طائفة منهم : هي الأطهار التي تكون من الحيض وممن قال ذلك منهم مالك ، والشافعي ، وغيرهما من أهل العلم ، وقد روي ذلك عن زيد بن ثابت ، وابن عمر على اختلاف روي عنهما في ذلك مما سنذكره إن شاء الله ، وعن عائشة مما لا نعلم عنها في ذلك اختلافا .

                  1912 - حدثنا يونس ، قال حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سليمان بن يسار ، عن زيد بن ثابت ، قال : إذا طلقت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه .

                  1913 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، قال : قضى زيد بن ثابت في المطلقة إذا طعنت في الحيضة الثالثة أنها قد برئت منه .

                  قال ابن شهاب : وأخبرني بذلك عروة ، عن عائشة .

                  1914 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، أنها انتقلت حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة .

                  قال ابن شهاب : فذكرت ذلك لعمرة ، فقالت : صدق عروة ، قد جادلها في ذلك الناس ، وقالوا : إن الله عز وجل قال : ( ثلاثة قروء ) فقالت لهم عائشة : أتدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار .

                  [ ص: 373 ] 1915 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قال : إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه ، وبرئ منها ، ولا ترثه ، ولا يرثها هكذا حدثنا يونس في موطإ مالك ، .

                  وأما ما حدثنا في موطإ ابن وهب :

                  1916 - فحدثنا ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمر بن محمد العمري ، ومالك بن أنس ، وعبد الله بن عمر ورجال من أهل العلم ، أن نافعا ، أخبرهم ، عن عبد الله بن عمرو ، عن زيد بن ثابت ، ثم ذكر مثله سواء .

                  1917 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا وهب ، قال حدثنا شعبة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن نافع ، أن معاوية كتب إلى زيد يسأله ، وكتب : أنها إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت منه .

                  قال نافع : وكان ابن عمر يقوله .

                  1918 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، قال قال ابن شهاب : سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن ، يقول : ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا ، يريد الذي قالت عائشة يعني : الأقراء : الأطهار .

                  وقالت طائفة : الأقراء : الحيض
                  وممن قال ذلك أبو حنيفة ، والثوري ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، ومعاذ ، وأبي الدرداء ، وأبي موسى ، وزيد بن ثابت ، وابن عمر رضي الله عنهم .

                  1919 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد بن هارون ، قال حدثنا سفيان ، [ ص: 374 ] عن سعيد ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، أن رجلا طلق امرأته فحاضت حيضتين ، فلما حاضت الثالثة ودخلت المغتسل أتاها زوجها ، فقال : قد ارتجعتك ، قد ارتجعتك ، ثلاثا ، فارتفعا إلى عمر ، فأجمع عمر ، وعبد الله على أنه أحق بها ما لم تحل لها الصلاة ، فردها عمر عليه .

                  1920 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن علي ، قال : زوجها أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، .

                  1921 - حدثنا المزني ، قال حدثنا الشافعي ، قال حدثنا سفيان ، قال : أخبرني منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عمر ، وعبد الله رضي الله عنهما ، مثله ، .

                  1922 - حدثنا المزني ، (قال) حدثنا الشافعي ، قال : سمعت سفيان ، يحدث عن أيوب السختياني ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن أبي موسى ، بمثل معناه .

                  1923 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا الوهبي ، قال حدثنا محمد بن راشد ، عن مكحول ، أنه قدم المدينة فذكر له سليمان بن يسار ، أن زيد بن ثابت كان يقول : إذا طلق الرجل امرأته ، فرأت أول قطرة من دم حيضتها الثالثة ، فلا رجعة له عليها فسألت عن ذلك بالمدينة ، فبلغني أن عمر ، ومعاذا ، وأبا الدرداء كانوا يجعلون له عليها الرخصة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة .

                  1924 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن نافع ، أن ابن عمر ، كان يقول : إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة ، وعلى الحرة ثلاث حيض ، وعدة الأمة حيضتان .

                  [ ص: 375 ] فهذا ابن عمر قد قال في هذا خلاف ما روينا عنه في الفصل الأول .

                  1925 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني قبيصة بن ذؤيب ، أنه سمع زيد بن ثابت ، يقول : الطلاق إلى الرجل ، والعدة إلى المرأة ، إن كان الرجل حرا وكانت المرأة أمة ثلاث تطليقات ، وتعتد عدة الأمة حيضتين ، وإن كان عبدا وامرأته حرة طلق طلاق العبد تطليقتين ، واعتدت الحرة ثلاث حيض ، .

                  فهذا خلاف ما رويناه عن زيد في الفصل الأول ولما اختلفوا في الأقراء المرادة في هذه الآية التي تلونا ، وكانت الأقراء اسما جامعا في اللغة تقع على الحيض دون الطهر ، وتقع على الطهر دون الحيض ، وتقع عليهما جميعا ، فيقال لكل واحدة من هذه المعاني الثلاثة : قرء كما حدثنا محمود بن حسان النحوي ، قال حدثنا عبد الملك بن هشام ، عن أبي زيد النحوي ، عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : من العرب من يسمي الحيض قرءا ، ومنهم من يسمي الطهر قرءا ، ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا فأما ما ذكرنا من تسميتهم الحيض قرءا فقد جاء ذلك بلغة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  1926 - كما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال حدثنا يحيى بن عيسى ، قال حدثنا الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة ، عن عائشة ، أن فاطمة ابنة أبي حبيش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إني أستحاض فلا ينقطع عني الدم ، فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتتوضأ لكل صلاة ، ثم تصلي وإن قطر الدم على الحصير قطرا .

                  فإن قال قائل : قد أنكر سفيان على يحيى بن آدم احتجاجه عليه به ، وقال له حين احتج عليه به : قد جئتني بأحاديث حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة .

                  قيل له : هذا كلام ما ندري ما معناه غير أن حبيبا حجة ، إمام في العلم ، قد روى عمن هو أسن من عروة ، قد روى عن ابن عمر ، وابن عباس ، ولا نعلم أحدا دفعه عن [ ص: 376 ] ذلك ، ولا عن غيره من حديثه ، غير ما ذكر عن سفيان فيما حكيناه عنه ، ولم يقف على وجهه ، ولا على السبب الذي أنكره على يحيى من أجله ثم قد رواه عن عروة ، عن ابن حبيب كما :

                  1927 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال حدثنا أبو عوانة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ، وتغتسل غسلا واحدا ، وتتوضأ لكل صلاة ، .

                  1928 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال حدثنا سهل بن بكار ، قال حدثنا أبو عوانة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

                  1929 - حدثنا الربيع المرادي ، قال حدثنا شعيب بن الليث ، قال حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله ، عن المنذر بن المغيرة ، عن عروة بن الزبير ، أن فاطمة ابنة أبي حبيش حدثته ، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكت إليه الدم ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عرق يطرأ ، إذا أتاك قرء فصلي ، وإذا مر القرء فتطهري ، ثم صلي من القرء إلى القرء ، .

                  1930 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا أبو الأسود ، قال حدثنا الليث ، وذكر مثل حديث الربيع ، عن شعيب في إسناده ومتنه مع أنه قد وجدنا غير عروة قد روى هذا الحديث عن عائشة على مثل ما رواه عروة عنها .

                  1931 - حدثنا محمد بن النعمان ، قال حدثنا الحميدي ، قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : حدثني ابن الهاد ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عروة ، عن عائشة ، أن أم حبيبة ابنة جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، وأنها استحيضت حتى لا تطهر ، فذكرت شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ليست [ ص: 377 ] بالحيضة ولكنها ركضة من الرحم ، لتنظر قدر قرئها الذي كانت تحيض له فلتترك ، ثم لتنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة وتصلي .

                  فهذه أحاديث كثيرة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما في حديث حبيب عن عروة بما ذكرنا ، ولا نعلم وجها يجب أن ينكر به هذا الحديث .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية