الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فإن صلى رجل هاتين الصلاتين دون مزدلفة فإن أهل العلم يختلفون في ذلك فطائفة منهم تقول : لا يجزئانه ، وعليه أن يعيدهما إذا أتى مزدلفة مع الإمام إن أدركهما معه ، أو وحده إن فاتتاه مع الإمام وممن قال بذلك منهم أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن فيما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، وعن محمد ، بذلك وكانا يحتجان في ذلك بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من قوله لأسامة بن زيد لما قال له دون مزدلفة : " الصلاة " قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلاة أمامك " .

                  وطائفة منهم تقول : صلاته جائزة إلا أنه قد أساء في تقديمه الصلاة على الموضع الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه وممن قال بذلك منهم أبو يوسف فيما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف وكان مما يحتج به أهل هذا القول الثاني على القول الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة : " الصلاة أمامك " قد يجوز أن يكون أراد به الصلاة التي يصليها بالناس على ما يصليها بالناس عليه وقد روى حماد بن سلمة هذا الحديث عن موسى بن عقبة ، فقال فيه : " المصلى أمامك " كما :

                  1433 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد ، عن موسى بن عقبة ، عن كريب بن أبي مسلم ، عن أسامة بن زيد ، أنه كان رديف النبي صلى [ ص: 155 ] الله عليه وسلم من عرفة إلى جمع ، فقال أسامة : أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل الشعب ، فتوضأ ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي ؟ فقال : المصلى أمامك ، حتى أتى جمعا ، فصلى المغرب ، ولم يكن إلا قدر ما وضعنا عن رواحلنا ، ثم صلى العشاء .

                  وقد روى حماد بن زيد هذا الحديث ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن كريب بهذا المعنى أيضا كما :

                  1434 - قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال حدثنا سليمان بن حرب ، قال حدثنا حماد بن زيد ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن كريب ، قال : سمعت أسامة ، قال : لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة مال إلى الشعب ، وبال ، وتوضأ ، فقيل له : يا رسول الله ، الصلاة ؟ قال : المصلى أمامك .

                  فكان معنى قوله : " المصلى أمامك " أي أن المصلى الذي أجمع فيه بالناس المغرب والعشاء أمامك .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، فلم نجد الصلاة بالمزدلفة للحاج تخلو من أحد وجهين : إما أن يكون وقت الأولى منهما يدخل بغروب الشمس ، ووقت الآخرة منهما يدخل بغيبوبة الشفق ، غير أنه أبيح لما هم فيه من المشقة والتعب تأخير أولاهما إلى وقت الآخرة منهما حتى يجمعوا بينهما في وقت الآخرة منهما أو يكون وقتهما عند القدوم إلى المزدلفة ، لا قبل ذلك ، فوجدناهم لا يختلفون في الصلاتين اللتين تصليان بعرفة ، أيهما لوصلينا دونها ، كل واحدة منهما في وقتها في سائر الأيام ، كانتا مجزئتين فالصلاتان بمزدلفة أحرى أن تكونا كذلك ، لأن أمر عرفة لما كان أوكد من أمر مزدلفة ، كان ما يفعل في عرفة أوكد مما يفعل في مزدلفة ، فثبت بما ذكرنا في ذلك ما قاله أبو يوسف فيه ، وانتفى ما قال الآخرون فيه .

                  وقد روي عن عروة بن الزبير أنه كان ربما صلاهما بالشعب .

                  [ ص: 156 ] 1435 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد ، عن هشام بن عروة ، أن أباه قديما كان صلاهما على الجبل ، وربما صلاهما بجمع ، وربما صلاهما بالشعب حيث ما صلاهما جمع بينهما .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية