الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقالت طائفة : إلى الحكمين إذا أقامهما الإمام مقام التحكيم ، أن يفرقا إذا رأيا ذلك ، جعله الزوج أو لم يجعله وقد روي هذا عن ابن عباس كما :

                  2009 - حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ، وعلي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله عز وجل : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) : فهذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما ، فأمر الله عز وجل أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ، ورجلا مثله من أهل المرأة ، فينظران أيهما المسيء ، فإن كان الرجل هو المسيء حجبا عنه امرأته ، وقصراه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ، ومنعوها النفقة فإن أجمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز .

                  [ ص: 444 ] قال أحمد : وليس لواحد منهما في ذلك إمضاء شيء مما بعثا له حتى يتابعه الآخر عليه وقد روي هذا عن علي كما :

                  2010 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، قال : إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء حتى يجتمعا .

                  وقد روي عن جماعة من التابعين اختلاف فيما ذكرنا ، مما اختلف فيه علي ، وابن عباس فمن ذلك ما :

                  2011 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا سعيد ، قال حدثنا هشيم ، قال أخبرنا حصين ، عن الشعبي ، أن امرأة نشزت على زوجها ، فاختصما إلى شريح ، فقال شريح : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فبعثوا ، فنظر الحكمان في أمرهما ، فرأيا أن يفرقا ، فكره ذلك الرجل ، فقال شريح : فيم كانا هذا اليوم ؟ وأجاز قولهما :

                  2012 - حدثنا يوسف ، قال حدثنا سعيد ، عن هشيم ، قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : سمعت الشعبي ، يقول : ما حكم الحكمان من شيء فهو جائز إن فرقا وإن جمعا .

                  2013 - حدثنا يوسف ، قال حدثنا سعيد ، عن هشيم ، عن عبيدة ، عن إبراهيم ، مثل ذلك .

                  2014 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا وهب بن جرير ، قال حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : سألت سعيد بن جبير عن الحكمين ، فقال لم أدرك إذ ذاك فقلت : إنما أسألك عن الحكمين اللذين في القرآن قال : يبعث بحكم من أهله وحكم من [ ص: 445 ] أهلها ، فيكلمان أحدهما ، ويعظانه ، فإن رجع وإلا كلما الآخر ، فإن رجع وإلا حكما ، فما حكما من شيء فهو جائز .

                  2015 - حدثنا روح بن الفرج ، قال حدثنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قول الله عز وجل : ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) ، قال : هما حكمان ، وما حكما من شيء جاز .

                  2016 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال حدثنا الفريابي ، قال حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) : إن خافوا أن لا تطيعه ، ولا تواتيه ، ولا يتركها ، فإن لم يصطلحا اختلعت ، وقبل منها مالها ، وليس الخلع إلا في مثل هذا .

                  فقول مجاهد : فإن لم يصطلحا اختلعت دليل على أن الخلع إليهما ، لا إلى الحكمين ، وإذا كان الخلع إليهما كان الطلاق الذي يجب به إذا كان أحرى أن يكون إلى الزوج ، لا إليهما فهذا مخالف لما ذكرنا قبله عن التابعين الذين روينا عنهم إجازة قول الحكمين .

                  2017 - حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي ، قال حدثنا أسباط بن محمد ، قال حدثنا أشعث ، عن الحكم ، قال : إذا حكم الحكمان فاختلفا فلا حكم لهما ، فيجعل غيرهما ، وما حكما من شيء جاز .

                  قال أحمد : ولا ينبغي للإمام أن يبعث في مثل هذا إلا العدلين في شهادتهما ، [ ص: 446 ] العالمين بالأحكام فيما يبعثهما فيه حتى يكون ما يمضي من أمرهما في ذلك على سداد واستقامة .

                  ولما اختلفوا في ذلك كما ذكرنا عن علي وابن عباس فكان الطلاق يوجب حل النكاح ، ولم نجد الله عز وجل جعل ذلك في كتابه إلى غير الأزواج ، ثبت بذلك عندنا - والله أعلم - أن لا يخرج عن الزوج ما قد جعله الله عز وجل إليه ، إلى الحكمين إلا بإخراجه ذلك إليهما .

                  فإن قال قائل : فقد رأينا اللعان يتولاه الحاكم بين الزوجين ، فيوجب الفرقة بينهما بالسبب الذي يجب به مما قد ذكرنا من أقوال العلماء بغير طلاق من الزوج ، فأمر الحكمين اللذين ذكرنا في التفريق يكون إلى الحكمين حتى يزيلا النكاح الذي بينهما :

                  قيل له : أن اللعان الذي ذكرت فإنا وجدنا الزوجين لو رضيا بعد مضيه بينهما أن يقيما على النكاح لم يكن ذلك لهما :

                  وكان على الإمام التفريق بينهما ، لأنهما يقيمان على معنى لا يجوز اجتماعهما معه على النكاح حتى يردا ذلك المعنى عنهما والزوجان اللذان بعث الحكمان في أمرهما ، لو أجمعا بعد نظر الحكمين في أمورهما بالإقامة على ما هما عليه لم يأخذهما الإمام بالفرقة ، وكان ما فعلاه واسعا لهما فدل ذلك أن اللعان يحرم اجتماع المتلاعنين ، وأن الشقاق الذي ذكرنا ، والنظر الذي يكون من الحكمين لا يحرم عليهما الاجتماع . فإذا كان كذلك لم تكن الفرقة بعد ذلك إلا بما كانت تكون به قبله ، وبالله التوفيق .

                  [ ص: 447 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية