فإن صلى رجل هاتين الصلاتين دون مزدلفة فإن أهل العلم يختلفون في ذلك فطائفة منهم تقول : لا يجزئانه ، وعليه أن يعيدهما إذا أتى مزدلفة مع الإمام إن أدركهما معه ، أو وحده إن فاتتاه مع الإمام وممن قال بذلك منهم  أبو حنيفة  ،  ومحمد بن الحسن  فيما حدثنا سليمان بن شعيب  ، عن أبيه ، عن محمد ،  عن  أبي يوسف  ، عن  أبي حنيفة  ، وعن محمد  ، بذلك وكانا يحتجان في ذلك بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من قوله لأسامة بن زيد لما قال له دون مزدلفة : " الصلاة " قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلاة أمامك " . 
وطائفة منهم تقول : صلاته جائزة إلا أنه قد أساء في تقديمه الصلاة على الموضع الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه وممن قال بذلك منهم أبو يوسف فيما حدثنا سليمان  ، عن أبيه ، عن محمد ،  عن  أبي يوسف  وكان مما يحتج به أهل هذا القول الثاني على القول الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة : " الصلاة أمامك " قد يجوز أن يكون أراد به الصلاة التي يصليها بالناس على ما يصليها بالناس عليه وقد روى حماد بن سلمة  هذا الحديث عن  موسى بن عقبة  ، فقال فيه : " المصلى أمامك " كما : 
 1433  - قد حدثنا محمد بن خزيمة  ، قال حدثنا حجاج  ، قال حدثنا حماد  ، عن  موسى بن عقبة  ، عن  كريب بن أبي مسلم  ، عن  أسامة بن زيد ،  أنه كان رديف النبي صلى  [ ص: 155 ] الله عليه وسلم من عرفة إلى جمع ، فقال أسامة : أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل الشعب ، فتوضأ ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي ؟ فقال : المصلى أمامك ، حتى أتى جمعا ، فصلى المغرب ، ولم يكن إلا قدر ما وضعنا عن رواحلنا ، ثم صلى العشاء .  
وقد روى  حماد بن زيد  هذا الحديث ، عن إبراهيم بن عقبة ،  عن  كريب  بهذا المعنى أيضا كما : 
 1434  - قد حدثنا  إبراهيم بن أبي داود  ، قال حدثنا  سليمان بن حرب ،  قال حدثنا  حماد بن زيد  ، عن إبراهيم بن عقبة ،  عن  كريب ،  قال : سمعت أسامة ،  قال : لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة مال إلى الشعب ، وبال ، وتوضأ ، فقيل له : يا رسول الله ، الصلاة ؟ قال : المصلى أمامك .  
فكان معنى قوله : " المصلى أمامك " أي أن المصلى الذي أجمع فيه بالناس المغرب والعشاء أمامك . 
ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، فلم نجد الصلاة بالمزدلفة للحاج تخلو من أحد وجهين : إما أن يكون وقت الأولى منهما يدخل بغروب الشمس ، ووقت الآخرة منهما يدخل بغيبوبة الشفق ، غير أنه أبيح لما هم فيه من المشقة والتعب تأخير أولاهما إلى وقت الآخرة منهما حتى يجمعوا بينهما في وقت الآخرة منهما أو يكون وقتهما عند القدوم إلى المزدلفة ، لا قبل ذلك ، فوجدناهم لا يختلفون في الصلاتين اللتين تصليان بعرفة  ، أيهما لوصلينا دونها ، كل واحدة منهما في وقتها في سائر الأيام ، كانتا مجزئتين فالصلاتان بمزدلفة أحرى أن تكونا كذلك ، لأن أمر عرفة لما كان أوكد من أمر مزدلفة ، كان ما يفعل في عرفة أوكد مما يفعل في مزدلفة ، فثبت بما ذكرنا في ذلك ما قاله  أبو يوسف  فيه ، وانتفى ما قال الآخرون فيه . 
وقد روي عن  عروة بن الزبير  أنه كان ربما صلاهما بالشعب . 
 [ ص: 156 ]  1435  - حدثنا محمد بن خزيمة  ، قال حدثنا حجاج  ، قال حدثنا حماد  ، عن  هشام بن عروة  ، أن أباه قديما كان صلاهما على الجبل ، وربما صلاهما بجمع ، وربما صلاهما بالشعب حيث ما صلاهما جمع بينهما .  
				
						
						
