الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن فكانوا لا يلتفتون في ذلك إلى النية ، ولا إلى التلبيد ، ولا إلى ما سواهما ، ويجعلون للمحرم بالحج بعد رميه جمرة العقبة الخيار في الحلق أو التقصير كما :

                  1543 - قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال حدثنا أبي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، قال : قلت لأبي حنيفة أرأيت الرجل يلبد رأسه بصمغ أو بضفرة ، إن قصر ولم يحلق ، أيجزيه ذلك ؟ قال : نعم ، ولم يذكر في ذلك خلافا .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، فوجدنا الحلق زائدا على التقصير ، كما الوضوء للصلاة مرتين أو ثلاثا زائدا على الوضوء للصلاة مرة وكان من نوى أن يتوضأ ثلاثا لم يرد بذلك فرضه على ما كان عليه قبل ذلك ، فالقياس على ما ذكرنا أن يكون كذلك من نوى أن يحلق في إحرامه ، لم يرد بذلك فرضه على ما كان عليه قبل ذلك ، ولم نر النيات توجب ما لم يكن واجبا قبلها ، أن لا ترى أن رجلا لو نوى أن يحج ، أو يعتمر ، أو يتصدق ، أو يعتق لم يجب بذلك عليه شيء فكذلك إذا نوى وهو حاج أو معتمر لم يجب عليه بذلك شيء ، فهذه حجة على من أوجب الحلق بالنية .

                  وأما ما روي عن عمر في التلبيد ، فيحتمل أن يكون أراد في ذلك أن على المحرم أن يرفق بشعره ، وهو لما لبده لا يستطيع أن يعيده إلى ما يستطاع تقصيره إلا بخلاف الرفق به في غسله إياه ، فأوجب عليه الحلق لذلك وكذلك إذا ضفره فلا يستطيع حله إلا بما يخاف عليه فيه العنف عليه ، فجعل عليه حلقه من أجل ذلك ، ليكون يحلق شعره وافرا بغير نتف منه لشيء منه قبل حلقه وتقصيره إياه ، وكذلك يقول فيمن خاف على شعره ما ذكرنا ، وقد كان لبده أو ضفره ، أنه ينبغي له أن يحلقه خوف ما ذكرنا من خلاف الحلق أو التقصير ، وليس في ذلك دليل على وجوب الحلق الذي لا يجزئ منه التقصير .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية