الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن عجز بكبر السن عن الوصول إلى البيت وعن ركوب الرواحل إليه ما :

                  1124 - قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير ، قال حدثنا سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب ، قال : استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية شابة من خثعم ، فقالت : إن أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الله عز وجل في الحج ، أفيجزئ أن أحج عنه ؟ قال : حجي عن أبيك ، ولوى عنق الفضل . فقال له العباس : لويت عنق ابن عمك ؟ فقال : إني رأيت شابة وشابا ، فلم آمن الشيطان عليهما .

                  [ ص: 13 ] 1125 - وما قد حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها ، وتنظر إليه . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ، فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله عز وجل على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا ، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم . وذلك في حجة الوداع .

                  1126 - وما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا روح بن عبادة ، قال حدثنا ابن جريج ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سليمان بن يسار ، عن ابن عباس عن الفضل بن عباس : أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله ، إن أبي أدركته فريضة الله عز وجل في الحج وهو شيخ كبير ، لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره! قال : حجي عنه .

                  1127 - وما قد حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي ، قال حدثنا عبيدة بن حميد النحوي ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن يوسف بن الزبير ، عن عبد الله بن الزبير قال : جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير ، لا يستطيع ركوب الرحل ، والحج مكتوب عليه . أفأحج عنه ؟ قال : وأنت أكبر ولده ؟ قال : نعم . قال : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه ، أكان ذلك يجزئ عنه ؟ قال : نعم : قال فاحجج عنه .

                  1128 - وما قد حدثنا فهد ، قال حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا جرير بن عبد .

                  [ ص: 14 ] الحميد ،
                  عن منصور ، عن مجاهد ، عن يوسف بن الزبير عن عبد الله بن الزبير ، ثم ذكر مثله .

                  1129 - وما قد حدثنا محمد بن إبراهيم بن حناد البغدادي ، قال حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، قال حدثنا منصور ، عن مجاهد ، عن مولى لابن الزبير يقال له : يوسف بن الزبير أو الزبير بن يوسف ، عن ابن الزبير ، عن سودة ابنة زمعة قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ، لا يستطيع أن يحج أفأحج عنه ؟ قال : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته قبل منك ؟ قال : نعم . قال : فالله أرحم ، حج عن أبيك .

                  فكان هذا السؤال من هذه السائلة أو من هذا السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن كبير عاجز بالكبر الذي لا يرجى خروجه منه إلى صحة يصل بها إلى الحج ، فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سأله منهما بما ذكر من جوابه إياه في هذه الآثار التي رويناها/ . وكان ذلك عندنا - والله أعلم - على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرفع فرض الحج عن ذلك الكبير بعجز بدنه عن الوصول إلى البيت ، إذ كان واجدا من يؤدي عنه الحج إليه وكان ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا - والله أعلم - سؤال من سأله عن ذكرنا : هل لأبيك من المال ما يمكنه أن يحج منه غيره عن نفسه أم لا ؟ لما رأى من بذل سائله نفسه للحج عن أبيه . لأن أباه قد صار بذلك في حكم الواجدين لمن يحج عنه ، فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كشف أحواله بذلك عما سواه ووقفنا بذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخرج حكم الحج من حكم العبادات التي على الأبدان سواه ، مثل الصلاة التي لا يقضيها أحد عن أحد . فجعل للعاجز عن تأدية الحج ببدنه أن يحج غيره عنه . لأنه قد أمر الخثعمي أو الخثعمية بالحج عن أبيه أو عن أبيها . وفي إطلاقه ذلك للمرأة في حديث علي والفضل ، دليل على أن حج الرجل أحرى أن يكون فيه كذلك ، مع أن الصحيح في الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سأله عنه من ذلك ، هو ما في حديث علي والفضل على أنه امرأة ، لا في حديث ابن الزبير . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لوى عنق الفضل .

                  [ ص: 15 ] لما أقبل ببصره على ذلك السائل حتى قال له العباس : " لويت عنق ابن عمك! فقال : إني رأيت شابا وشابة فلم آمن من الشيطان عليهما " .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية