الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد ذكرنا فيما تقدم منا من كتابنا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التلبية للحج ، وأن تأويل قول الله عز وجل : ( فمن فرض فيهن الحج ) هو التلبية . ولم يذكر مع ذلك الموضع الذي تبتدئ فيه التلبية حتى يدخل بها في الحج . وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك آثار مختلف فيها . فمنها ما :

                  1163 - قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا وهب بن جرير ، قال حدثنا شعبة عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم أتى براحلته فركبها ، فلما استوت به على البيداء أهل .

                  ومنها ما :

                  1164 - قد حدثنا الربيع المرادي ، قال حدثنا أسد ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، ركب ناقته القصواء ، فلما استوت به على البيداء أهل .

                  فكان الذي في هذين الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من البيداء ، ولا يمنع ذلك عندنا أن يكون قد أهل بالحج قبل ذلك .

                  [ ص: 30 ] ومنها ما :

                  1165 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا القعنبي ، قال : قرأت على مالك ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن أبيه قال : بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد .

                  يعني مسجد ذي الحليفة . ومنها ما :

                  1166 - قد حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره عن موسى بن عقبة ، فذكر بإسناده مثله .

                  1167 - قد حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، قال حدثنا وهيب بن خالد ، عن موسى بن عقبة ، فذكر بإسناده مثله .

                  وكان الذي في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من عند المسجد مسجد ذي الحليفة . وذلك قبل أن تستوي به راحلته على البيداء . فزاد في التقدم للإحرام بالحج على ما في الحديثين الأولين . ولا يمنع ذلك أن يكون قد كان أهل بالحج قبل ذلك . ومنها ما :

                  1168 - قد حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي إملاء ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، قال لي ، قيل لابن عباس : كيف اختلف الناس في إهلال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت طائفة : أهل في مصلاه . وقالت طائفة : حين استوت به راحلته . وقالت طائفة : حين علا على البيداء .

                  فقال : سأخبركم عن ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل في مصلاه ، فشهده قوم فأخبروا بذلك . فلما استوت به راحلته أهل ، فشهده قوم لم يشهدوه في المرة .

                  [ ص: 31 ] الأولى فقالوا : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة ، فأخبروا بذلك فلما علا البيداء أهل ، فشهده قوم لم يشهدوه في المرتين الأوليين فقالوا : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة ، فأخبروا بذلك ، وإنما كان إهلال النبي صلى الله عليه وسلم في مصلاه .

                  فكان الذي في هذا الحديث قد أنبأنا عن المواضع التي منها جاء الاختلاف في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج أين كان ؟ وإن إهلاله الذي دخل به في الحج إنما كان في دبر الصلاة التي صلاها للإحرام ، وإن ما سواه من إهلاله للحج بعد ذلك إنما كان بعد دخوله في الحج بإهلاله المتقدم في دبر الصلاة . واكتفينا بهذا الحديث عن ذكر ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لبى بحجه حين استوت به راحلته . وما روي عنه أنه لبى به صلى الله عليه وسلم حين انبعثت به راحلته .

                  وهكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يستحبون لمن أراد التلبية بالحج أن يكون يلبي بها في مصلاه الذي يصلي فيه الصلاة للإحرام حدثنا بذلك من قولهم سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد . ولم يحك فيه خلافا بينه وبين أحد من أصحابه .

                  وكان عبد الله بن عباس لما علم بعدم إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوقت الذي علم غيره إحرامه فيه أولى . لأن من علم شيئا أولى به ممن لم يعلمه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية