وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أنه لا بأس أن يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد النعلين ،  وأن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار . واحتجوا في ذلك بما : 
 [ ص: 40 ]  1191  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال حدثنا  سليمان بن حرب الواسخي ،   وأبو الوليد الطيالسي ،  قالا : حدثنا شعيب ،  عن  عمرو بن دينار ،  قال : سمعت  جابر بن زيد ،  يقول : سمعت  ابن عباس ،  يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، بعرفة  ، يقول : من لم يجد إزارا لبس سراويل ، ومن لم يجد نعلين لبس خفين .  
 1192  - وبما حدثنا علي بن شيبة ،  قال حدثنا  أبو نعيم ،  قال حدثنا سفيان ،  عن  عمرو بن دينار ،  عن  جابر بن زيد ،  عن  ابن عباس ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، ولم يذكر عرفة . 
 1193  - وبما حدثنا  ابن أبي داود ،  قال حدثنا  سعيد بن منصور ،  قال حدثنا هشيم ،  قال حدثنا  عمرو بن دينار ،  فذكر مثل حديث سفيان  هذا . 
 1194  - وبما حدثنا  ابن أبي داود ،  أيضا ، قال حدثنا سعيد ،  قال حدثنا  حماد بن زيد ،   وسفيان بن عيينة ،  عن عمرو  ، عن  جابر بن زيد ،  عن  ابن عباس ،  قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، فذكر مثله . 
 1195  - وبما قد حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال حدثنا  أبو عاصم ،  عن  ابن جريج ،  عن  عمرو بن دينار ،  عن  أبي الشعثاء ،  قال أخبرنا  ابن عباس ،  سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه قلت : ولم يقل : يقطعهما ؟ قال : لا . 
 [ ص: 41 ] فكان من الحجة عليهم للآخرين في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح للمحرم في هذا الحديث لباس الخفين ،  ولم يبين لنا أي خفين هما ، وقد بين ذلك  ابن عمر  في حديثه ذكرناه عنه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهما الخفان اللذان أسفل من الكعبين ، فكان ذلك زيادة على ما في حديث  ابن عباس ،  وتبيان الخفين المرادين فيه أي الخفاف هما ؟ 
وأما ما في حديث  ابن عباس  الذي ذكرناه من لبس السراويل لمن لم يجد الإزار ، فقد يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يلبس السراويل مؤتزرا به ، غير داخل فيه ، على غير ما يلبس عليه السراويلات ، كما يلبس الخفين اللذين لا يبلغان الكعبين ، بخلاف ما يلبس الخفاف التي قد نهاه عن لبسها في الإحرام . 
فإن قال قائل : فإن السراويل إذا شق لم يكن سراويلا . 
قيل له : وكذلك الخفاف إذا قطعا أسفل من الكعبين لم يكونا خفين وإذا كان الذي أباح له النبي صلى الله عليه وسلم من لباس الخفين في الحديث الزائد ، وهو بعد أن يكونا خارجين عن حكم الخفاف المنهي عن لبسها في الإحرام ، كان ذلك دليلا على أن ما أباحه من لباس السراويلات إنما هو بعد أن يخرج من حكم السراويلات المنهي عن لباسها في الإحرام وذلك عندنا - والله أعلم - بعد أن يكون ساترا للعورة غير مقصر عن ذلك . وكان القياس يشهد لأهل هذا القول أيضا ، وذلك إنا رأينا الإحرام يمنع من لبس الخفاف ، ومن لبس السراويلات في غير حال الضرورات للمحرم ،  ثم أبيح له لبسها في حال الضرورات . وقد رأينا أشياء منع منها المحرم كحلق الرأس وما أشبهه ، وكان من اضطر إلى حلق رأسه لمرض أو ضرورة حل له حلقه ،  ووجبت عليه الكفارة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه بقوله : ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك   ) . 
وذكرها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لما أمر  كعب بن عجرة  في التكفير عن حلق رأسه لما رأى به من الضرورة إلى ذلك والحاجة إليه ، وسنذكر ذلك فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله . 
فكان حلق الرأس ، وإن أباحته له الضرورة ، لا يمنع أن تكون عليه فيه كفارة ، كما كانت تكون عليه في حلقه قبل الضرورة فعقلنا بذلك أن الضرورات في الإحرام ، .  
 [ ص: 42 ] وإن أباحه ما كان محظورا قبلها ، فإنما تسقط بها الآثام عن الذين تجب لهم الإباحات ، ولا تسقط عنهم الحرم التي كانت عليهم في ذلك قبل حدوث الضرورات بهم . فكان مثل ذلك لباس الخفاف المجاوزات للكعاب ، ولباس السراويلات لما كانا محظورين على المحرمين قبل الضرورات ، ثم حدثت بهم الضرورات إليها ألا تكون الحرمة فيهما مرتفعة عن المحرمين المضطرين إليهما ، وأن يكون ما أبيح لهم من استعمالها فللضرورات إليهما ، لا بسقوط حرمتهما وثبت بذلك أنه إذا استعمل منهما ما هو محرم في حال الضرورة كما كان قبل الضرورة ، إن على مستعمله منهم الكفارة التي كانت تكون عليه في استعمال ذلك قبل حدوث الضرورة . 
ولما كان حديث  ابن عباس  الذي رويناه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحة لا كفارة معها ، عقلنا بذلك أن الذي أبيح بذلك الحديث هو لباس الخفين اللذين كانا غير محرم لبسهما قبل الضرورة ، وأن الذي أبيح من لباس السراويل هو ما كان غير محرم قبل الضرورة من خروج معنى حديث  ابن عباس  الذي رويناه في هذا الباب ، إلى معنى حديث  ابن عمر  الذي رويناه عنه في هذا الباب وهذا الذي ذكرناه من النهي في الإحرام عن لبس السراويلات والعمائم فهو حكم الرجال خاصة في الإحرام . 
فأما النساء فإن حكمهن في ذلك خلاف هذا ، ولهن أن يلبسن في الإحرام السراويلات والعمائم بعد أن لا يغطين شيئا من وجوههن ، .  
(و) لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك . 
				
						
						
