تأويل قوله تعالى : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) .
قال الله جل ثناؤه : ( الطلاق مرتان ) الآية وكان قوله : ( الطلاق مرتان ) من المتشابه المختلف في المراد به ما هو ؟
فروي عن ابن عباس في ذلك ما :
2018 - حدثنا محمد بن الحجاج ، وعلي بن عبد الرحمن ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله عز وجل : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة ، فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها ، أو يسرحها بإحسان ولا يظلمها من حقها شيئا .
قال أحمد : فمعنى ذلك عندنا - والله أعلم - على أن يطلقها الاثنتين كما يجب أن يطلقها إياهما في مواضعهما ، وفي التفريق بينهما ، وفي وضع كل واحدة منهما في موضعها الذي أمر الله عز وجل بالطلاق فيه في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا من ذلك في موضعه فيما تقدم .
وقد روي عن عكرمة في تأويل هذه الآية ما :
2019 - حدثنا روح بن الفرج ، قال حدثنا يوسف ، قال حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله عز وجل : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، قال : إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فيطلقها تطليقتين ، فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها الرجعة ، وإن شاء طلقها أخرى فلم تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
فكان معنى هذا عندنا - والله أعلم - على استعمال عكرمة ظاهر الآية ، وعلى [ ص: 448 ] المأمور به من الطلاق تطليقتان حتى يكون الذي يتلوهما من الطلاق ضدا لهما ، لأنه يكون للمطلق بعدهما الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ، ولا يكون له بعد ضدهما شيء من ذلك ، لأن ضدهما هو الواحدة التي تحرم المرأة عليه حتى تنكح زوجا غيره .
وقد روي عن مجاهد في تأويلهما أيضا ما :
2020 - حدثنا أبو شريح محمد بن زكرياء ، وابن أبي مريم ، قالا : حدثنا الفريابي ، قال حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، وأراه عن مجاهد ، في قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، قال : يطلق الرجل امرأته في غير جماع طاهرا ، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء ، ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى إن أحب ، فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهاتان تطليقتان وقرءان ، ثم قال الله جل ثناؤه في الثالثة :
( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء جمع بانها .
ففي هذا جمع الثالثة مع الثانية في قرء واحد ، وهذا عندنا من قول مجاهد ليس بشيء ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر عبد الله بن عمر لما طلق امرأته بمراجعتها ، وأن لا يطلقها بعد ذلك حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر .
فكان في ذلك نهي منه إياه عن جمع التطليقتين في قرء واحد ، وفي نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ما دل على أن التأويل في هذه الآية خلاف الذي تأولها عكرمة ومجاهد ، وأن تأويلها - والله أعلم - إنما هو على أن يطلقها كل واحدة من التطليقتين الأوليتين في طهر غير الطهر الذي طلقها صاحبها فيه وهذا مذهب أبي يوسف ، ومحمد .
[ ص: 449 ]


