الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أنه لا بأس أن يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد النعلين ، وأن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار . واحتجوا في ذلك بما :

                  [ ص: 40 ] 1191 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا سليمان بن حرب الواسخي ، وأبو الوليد الطيالسي ، قالا : حدثنا شعيب ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت جابر بن زيد ، يقول : سمعت ابن عباس ، يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، بعرفة ، يقول : من لم يجد إزارا لبس سراويل ، ومن لم يجد نعلين لبس خفين .

                  1192 - وبما حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، ولم يذكر عرفة .

                  1193 - وبما حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا سعيد بن منصور ، قال حدثنا هشيم ، قال حدثنا عمرو بن دينار ، فذكر مثل حديث سفيان هذا .

                  1194 - وبما حدثنا ابن أبي داود ، أيضا ، قال حدثنا سعيد ، قال حدثنا حماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، فذكر مثله .

                  1195 - وبما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء ، قال أخبرنا ابن عباس ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه قلت : ولم يقل : يقطعهما ؟ قال : لا .

                  [ ص: 41 ] فكان من الحجة عليهم للآخرين في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح للمحرم في هذا الحديث لباس الخفين ، ولم يبين لنا أي خفين هما ، وقد بين ذلك ابن عمر في حديثه ذكرناه عنه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهما الخفان اللذان أسفل من الكعبين ، فكان ذلك زيادة على ما في حديث ابن عباس ، وتبيان الخفين المرادين فيه أي الخفاف هما ؟

                  وأما ما في حديث ابن عباس الذي ذكرناه من لبس السراويل لمن لم يجد الإزار ، فقد يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يلبس السراويل مؤتزرا به ، غير داخل فيه ، على غير ما يلبس عليه السراويلات ، كما يلبس الخفين اللذين لا يبلغان الكعبين ، بخلاف ما يلبس الخفاف التي قد نهاه عن لبسها في الإحرام .

                  فإن قال قائل : فإن السراويل إذا شق لم يكن سراويلا .

                  قيل له : وكذلك الخفاف إذا قطعا أسفل من الكعبين لم يكونا خفين وإذا كان الذي أباح له النبي صلى الله عليه وسلم من لباس الخفين في الحديث الزائد ، وهو بعد أن يكونا خارجين عن حكم الخفاف المنهي عن لبسها في الإحرام ، كان ذلك دليلا على أن ما أباحه من لباس السراويلات إنما هو بعد أن يخرج من حكم السراويلات المنهي عن لباسها في الإحرام وذلك عندنا - والله أعلم - بعد أن يكون ساترا للعورة غير مقصر عن ذلك . وكان القياس يشهد لأهل هذا القول أيضا ، وذلك إنا رأينا الإحرام يمنع من لبس الخفاف ، ومن لبس السراويلات في غير حال الضرورات للمحرم ، ثم أبيح له لبسها في حال الضرورات . وقد رأينا أشياء منع منها المحرم كحلق الرأس وما أشبهه ، وكان من اضطر إلى حلق رأسه لمرض أو ضرورة حل له حلقه ، ووجبت عليه الكفارة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه بقوله : ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) .

                  وذكرها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لما أمر كعب بن عجرة في التكفير عن حلق رأسه لما رأى به من الضرورة إلى ذلك والحاجة إليه ، وسنذكر ذلك فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله .

                  فكان حلق الرأس ، وإن أباحته له الضرورة ، لا يمنع أن تكون عليه فيه كفارة ، كما كانت تكون عليه في حلقه قبل الضرورة فعقلنا بذلك أن الضرورات في الإحرام ، .

                  [ ص: 42 ] وإن أباحه ما كان محظورا قبلها ، فإنما تسقط بها الآثام عن الذين تجب لهم الإباحات ، ولا تسقط عنهم الحرم التي كانت عليهم في ذلك قبل حدوث الضرورات بهم . فكان مثل ذلك لباس الخفاف المجاوزات للكعاب ، ولباس السراويلات لما كانا محظورين على المحرمين قبل الضرورات ، ثم حدثت بهم الضرورات إليها ألا تكون الحرمة فيهما مرتفعة عن المحرمين المضطرين إليهما ، وأن يكون ما أبيح لهم من استعمالها فللضرورات إليهما ، لا بسقوط حرمتهما وثبت بذلك أنه إذا استعمل منهما ما هو محرم في حال الضرورة كما كان قبل الضرورة ، إن على مستعمله منهم الكفارة التي كانت تكون عليه في استعمال ذلك قبل حدوث الضرورة .

                  ولما كان حديث ابن عباس الذي رويناه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحة لا كفارة معها ، عقلنا بذلك أن الذي أبيح بذلك الحديث هو لباس الخفين اللذين كانا غير محرم لبسهما قبل الضرورة ، وأن الذي أبيح من لباس السراويل هو ما كان غير محرم قبل الضرورة من خروج معنى حديث ابن عباس الذي رويناه في هذا الباب ، إلى معنى حديث ابن عمر الذي رويناه عنه في هذا الباب وهذا الذي ذكرناه من النهي في الإحرام عن لبس السراويلات والعمائم فهو حكم الرجال خاصة في الإحرام .

                  فأما النساء فإن حكمهن في ذلك خلاف هذا ، ولهن أن يلبسن في الإحرام السراويلات والعمائم بعد أن لا يغطين شيئا من وجوههن ، .

                  (و) لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية