الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              كتاب اللقطة

                                                                                                                                                                              ذكر أخذ اللقطة وتركها

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في أخذ اللقطة ، وتركها ، فكرهت طائفة أخذها .

                                                                                                                                                                              روينا عن ابن عباس أنه قال : لا ترفعها من الأرض لست منها في شيء . وقال عبد الله بن دينار : قلت لابن عمر : وجدت لقطة ، قال : ولم أخذتها ؟ ! .

                                                                                                                                                                              وروينا عن ابن عمر ، أنه رأى دينارا مطروحا في المسجد فتركه .

                                                                                                                                                                              8633 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان (ح) وحدثنا [ محمد] بن عبد الوهاب - والحديث له - قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن سفيان ، عن قابوس ، عن [أبيه] ، عن ابن عباس قال : لا ترفعها من الأرض لست منها في شيء - يعني اللقطة . [ ص: 374 ]

                                                                                                                                                                              [و] قال أبو نعيم و (العرزمي) : لا ترفع اللقطة لست منها في شيء .

                                                                                                                                                                              8634 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، أن مجاهدا وابن عمر كانا يطوفان بالبيت ، فوجدا حقة فيها جوهر ، فلم [يعرضا] لها .

                                                                                                                                                                              8635 - (حدثنا موسى قال) : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا وكيع ، حدثنا الضحاك بن يسار ، عن [ أبي] صالح ، عن أبي هريرة : أنه رأى دينارا مطروحا في المسجد فجعل يدنيه برجله ، حتى أتى به قريبا من مقام الإمام ، ثم تركه .

                                                                                                                                                                              8636 - حدثنا موسى قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، قال : قلت لابن عمر : وجدت لقطة . قال : ولم أخذتها ؟ ! ومر شريح بدرهم ، فلم يعرض له . [ ص: 375 ]

                                                                                                                                                                              وممن كره أخذ اللقطة : الربيع بن خثيم ، وجابر بن زيد ، وعطاء بن أبي رباح ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : يأخذها يحفظ على أخيه المسلم ماله ، ولا يعرضه بتركه للتلف .

                                                                                                                                                                              كان سعيد بن المسيب قال لرجل في شيء وجده : كان ينبغي لك أن تأخذه . وكان حسن بن صالح يرى أخذ اللقطة إذا وجدها ، ويعرفها سنة .

                                                                                                                                                                              واختلف قول الشافعي في هذا الباب : كان يقول إذ هو بالعراق : الورع أن لا يأخذها ، والنظر أن يأخذها إذا وثق بأمانته ، وخاف أن يأخذها غيره . وحكى بعض أهل مصر عنه أنه قال : لا أحب لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان أمينا عليها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وممن أخذ اللقطة ورضي أخذها أبي بن كعب .

                                                                                                                                                                              8637 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن سويد بن غفلة ، قال : خرجت أنا وزيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة الباهلي ، فالتقطت سوطا بالعذيب ، فقالا لي : [ ص: 376 ] دعه . قلت : والله لا أدعه تأكله السباع ، لأستمتعن به ، فقدمت على أبي بن كعب فأخبرته ، فقال : أحسنت أحسنت إني وجدت صرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "عرفها . . . " وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                              وروينا أن رجلا أتى عليا فقال : إني وجدت لقطة فيها ثلاثمائة درهم أو قريبا منها ؟ قال : عرفها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولم ينكر عليه أخذها .

                                                                                                                                                                              8638 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن أبي السفر ، أن رجلا أتى عليا فقال : إني وجدت لقطة ، فيها ثلاثمائة درهم ، أو قريبا منها . قال : عرفها .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يفرق بين الشيء الذي له بال . فقال : إذا كان شيء له بال يأخذ ذلك أحب إلي فيعرفها ، وليس هذا مثل الدرهم والشيء اليسير الذي لا بال له . أشهب عنه .

                                                                                                                                                                              وقال في الرجل يجد الطعام بطريق مكة في الحج ، ونحو ذلك : لا يأخذه أحب إلي إلا أن يكون أحد يضطر إليه . [ ص: 377 ]

                                                                                                                                                                              وقال محمد بن الحسن في الرجل يأخذ اللقطة ، قال : إنما أخذتها لأردها على أهلها ، وأشهد عليها شاهدين بمقالته لم أضمنه . وإن قال : قد التقطت لقطة فمن سمعتموه ينشدها فدلوه علي فجاء صاحب اللقطة فقال : قد هلكت لقطتك ، فهو مصدق ، ولا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد احتج بعض من رأى أخذ [اللقطة] ، ليعرفها بحديث زيد بن خالد الجهني ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال له : "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة ، فإن جاء صاحبها ، وإلا فشأنك بها" .

                                                                                                                                                                              قال قائل : ولو كان أخذها غير جائز لكان نبي الله صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بأن ينهاه عما فعل . واحتج بقوله : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ومن البر حفظ مال المسلم إذا قدر عليه . قال : ومما يدل على ما قلناه : إجماع أهل العلم على أن على الرجل إذا رأى رجلا قد سقط من يده مال أن يعلمه ، وأن يمنع غير مالكه من أخذه ، ولا يسعه غير ذلك . فإن قال قائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ضالة المؤمن حرق النار" ، وبقوله "لا يأوي الضالة إلا ضال" . فاللقطة غير الضالة ، واسم الضوال [ ص: 378 ] لا يقع على الدنانير والدراهم ، وإنما يقع اسم الضوال على الإبل والبقر والغنم ، و (يدل) من حجة من خالف هذا القول ، وقال : إن ترك أخذها أسلم اتباع ابن عباس وابن عمر ، وأبي هريرة وأن إيجاب أخذ اللقطة غير موجود بحجة ، وأن تركها أسلم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية