الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ما يجوز للمكاتب أن يفعله في ماله وما لا يجوز من ذلك

                                                                                                                                                                              أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن للمكاتب أن يبيع ويشتري ، ويأخذ ويعطي ويتصرف فيما فيه الصلاح لماله ، والتوفير عليه على ما يجوز بين المسلمين من أحكامهم ، ولم يختلفوا أن له أن ينفق مما في يده من المال على نفسه ويكتسى بالمعروف فيما لا غنى به عنه ، فقال كثير من أهل العلم : ليس للمكاتب أن يعتق ، منهم : الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والأوزاعي ، والشافعي ، والنعمان . وقال الحسن البصري : ليس للمكاتب أن يهب . وكذلك قال الشافعي والنعمان ، وكذلك الصدقة لا تجوز في قول الشافعي والنعمان .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان [الثوري ] : وما وهب المكاتب أو تصدق أو أعتق ثم عجز فهو مردود . وكان ابن أبي ليلى يقول في المكاتب : أما عتقه وهبته فهو موقوف ، فإن أعتق أمضى ذلك ، وإن رجع مملوكا فهو مردود . وكذلك قال سفيان الثوري . وكان مالك بن أنس يقول في المكاتب يعتق عبدا له ويتصدق ببعض ماله ولم يعلم بذلك سيده حتى عتق المكاتب ، قال مالك : ينفذ ذلك عليه ، وليس للمكاتب أن يرجع فيه ، فإن علم بذلك سيد المكاتب قبل أن يعتق المكاتب فرد ذلك عليه [ ص: 491 ] [و] لم يجزه ، فإن أعتق المكاتب وذلك في يده ، لم يكن عليه أن يعتق ذلك العبد ، ولا أن يخرج تلك الصدقة [إلا] أن يفعل ذلك طائعا من نفسه ، ابن أبي أويس عنه . وكان مالك يقول : ما أعتق المكاتب أو تصدق به في كتابته فرد ذلك سيده ولم يجزه ، فإن المكاتب إذا (عتق) وذلك في يده لم يكن عليه أن يعتق ذلك العبد عليه ولا يخرج تلك الصدقة إلا أن يفعل ذلك طائعا من عند نفسه .

                                                                                                                                                                              وإذا تكفل المكاتب بكفالة لم تلزمه في قول الشافعي والنعمان ، وكذلك ليس له أن يوصي ، فإن فعل كان ذلك باطلا .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : وشراء المكاتب وبيعه جائز ، وإن حابى في ذلك أو حوبي ، لأن البيع والشراء من التجارة ، ولو باع بيعا ثم حط عن صاحبه لشيء دخله أو عيب ادعى عليه أجزنا ذلك ، لأن هذا من التجارة . وكان الشافعي يقول : لا يجوز أن يبيع شيئا من ماله إلا بما يتغابن الناس بمثله ، لأن ملكه ليس بتام على ماله ، فإن باع بيعا بما لا يتغابن الناس بمثله بغير إذن سيده فالبيع فيه فاسد ، فإن وجد بعينه رد ، وإن فات فعلى مشتريه مثله إن كان له مثل ، وإن لم يكن له مثل فقيمته ، فإن كان ذلك عبدا فأعتقه المشتري فالعتق باطل وهو مردود ، ويجوز أن يبيع بإذن سيده بما لا يتغابن الناس بمثله ، وشراء المكاتب كبيعه .

                                                                                                                                                                              ولا يجوز للمكاتب أن يهب للثواب ، لأن من أجاز الهبة للثواب فأثيب [ ص: 492 ] الواهب أقل من قيمة هبته ، وقبل ذلك ، لم يجعل للواهب الرجوع في هبته وجعله كالرضى منهم يلزمهم ما رضوا به .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : وما رهن المكاتب أو ارتهن أو استأجر فهو جائز وليس له أن يقرض ، وإن استقرض فهو جائز .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : وليس للمكاتب أن يبيع شيئا من ماله بدين ، وإن رهن فيه رهنا أو أخذ حميلا ، لأن الرهن يهلك والحميل والغريم يفلس ، ولا يجوز للمكاتب في الدين إلا ما يجوز للمضارب إلا بإذن سيده ، وليس له أن يرهن في سلف ولا غيره ، وليس للمكاتب أن يسلف في طعام ، لأن ذلك دين قد يتلف ، وله أن يتسلف في طعام ، لأن التلف على الذي سلفه .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : وإن أعار دابة ، أو أهدى هدية ، أو دعا إلى طعام فلا بأس بذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولا يجوز ذلك عند الشافعي ، لا العارية ولا الهدية ولا الدعاء إلى الطعام ، وليس له عند الشافعي والنعمان أن يكسو ثوبا ولا يعطي درهما .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : ولو باع ثم حط أو اشترى ثم زاد كان هذا كله جائزا ، وهذا لا يجوز عند الشافعي ، لأن الحطيطة فيما لا يلزم في معنى الهبة ، وليس له أن يهب من ماله شيئا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولا يجوز لعاقل أن يفرق بين القليل والكثير منه فيجيز القليل ويمنع الكثير إذ لا حجة موجودة تفرق بينهما . وكان ابن أبي ليلى [ ص: 493 ] يقول في المكاتب : نكاحه وكفالته باطل ، وما تكفل به رجل عنه لمولاه فهو جائز .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية