الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر جحود المودع الوديعة وأخذ المودع مال المودع مثلها

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يودع الرجل ألف درهم ، فيطلبها ربها ، فجحده المودع إياها ثم أودعه الجاحد ألفا مثلها .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : له أن يذهب بها مكان [ألفه] التي كانت له .

                                                                                                                                                                              هذا قول الشافعي ، وبه قال أصحاب الرأي . وكذلك إن كان مكان ألف درهم حنطة ، أو شعير ، أو شيء مما يكال أو يوزن ، أو كان عليه دين فجحده ، فأودعه مثله ، له أن يأخذ حقه من تحت يده قصاصا بالذي كان له في قولهم جميعا .

                                                                                                                                                                              واختلف قول الشافعي وأصحاب الرأي في هذا الباب : فقال أصحاب الرأي : إن كانت دراهم فاستودعه شعيرا . فقال أصحاب الرأي : إذا كانا مختلفين فلا يسعه أن يمسكه عنده ، لأن هذا بيع ، (فأما) إذا كان مثله فله قصاص .

                                                                                                                                                                              وفي قول أصحاب الشافعي وغيره : له أن يبيع ما قدر عليه من ماله ، ويحلف بالله ما له قبله ما يدعي وهو صادق ولا ينبغي للحاكم أن يستحلفه [ ص: 337 ] ما أودعك كذا وكذا وإنما يستحلفه بالله ما له قبلك ما يدعي .

                                                                                                                                                                              كان إياس بن معاوية يقول : استحلفه بالله ما له عنده كذا وكذا ، وهذا الصواب ، وذلك أنه قد يودعه فيتلف ما استودعه ، ويجوز أن يرده على المودع أو يدفعها إلى غيره بأمره فيكون قد برئ في كل حال من هذه الأحوال بأن دفع إلى الحاكم عمل الخصم على ما لا يجب ، فقد قيل يحلف على ما أحلفه عليه إذا ألجئ إلى ذلك ، وقيل غير ذلك .

                                                                                                                                                                              وفي هذه المسألة قول ثالث : حكي عن مالك أنه قال : إذا قال أودعته ألف درهم ، فجحدني ذلك ، ثم استودعني بعد ذلك ألف درهم ، أو باعني بها بيعا فأردت أن أجحده (مكان) حقي الذي جحدني .

                                                                                                                                                                              قال ابن القاسم : سئل (عنها مالك) غير مرة . فقال : لا يجحده .

                                                                                                                                                                              قال ابن القاسم : ظننت أنه قاله للحديث الذي جاء : "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : هذا حديث غير ثابت ، لأنه مرسل ولو كان ثابتا لم [ ص: 338 ] يكن لهذا القائم فيه حجة ، وذلك أن الخائن من أخذ ما ليس له ، لأنه حينئذ يأخذه ظلما وتعديا ، والذي أخذ مقدار (حق) ليس بخائن ولا ظالم . فإذا أخذ المودع مقدار حقه وزاد فأخذ بعد ذلك ما ليس له كان خائنا كما كان الآخذ ما ليس له خائنا . وحديث هند حجة قاطعة مبيحة ، لأن يأخذ المرء حقه على أي جهة أمكنه أخذه .

                                                                                                                                                                              8617 - أخبرنا الربيع ، قال أخبرنا الشافعي ، قال : أخبرنا أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها حدثته ، أن (هند) أم معاوية جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح ، وإنه لا يعطيني وولدي ما يكفيني إلا ما آخذ منه سرا وهو لا يعلم ، فهل علي في ذلك شيء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية