الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأرض تستعار على أن يبني (بها) المستعير ثم يبدو لرب المال إخراجه

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الأرض يستعيرها الرجل من الرجل على أن يبني فيها المستعير أو يغرس ، ولم يؤقت في ذلك وقتا ، أو وقت وقتا ثم إن رب الأرض أراد إخراجه من أرضه .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : إذا أخرجه ضمن له قيمة بنائه وغرسه وقت له وقت دفعها إليه أو لم يوقت . هذا قول الشافعي . قال : ولكنه لو قال : فإن انقضت العشر (سنين) كان عليك أن تنقض بناءك ، كان ذلك عليه ، لأنه لم يغره إنما غر هو نفسه . وكان ابن أبي ليلى يقول : الذي أعاره ضامن لقيمة البنيان ، والبناء للمعير . قال : وكذلك بلغنا عن شريح .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إذا أعاره أرضا على أن يبني ويغرس ، ثم بدا لصاحبها أن يخرجه منها كان له إخراجه ، ونقض هذا بناءه ، وقلع غرسه ، ولا يضمن المعير شيئا ، وذلك إذا لم يكن وقت له وقتا ، فإن وقت له وقتا فأخرجه قبل [ ص: 361 ] الوقت أدى قيمة ذلك ، وإن شاء صاحب البناء و (الغراس) أخذ بناءه وغرسه . قال : هذا قول أصحاب الرأي ، وحكى الشافعي عن النعمان مثله في الذي لم يوقت وقتا . قال وبه يأخذ .

                                                                                                                                                                              وذكر ابن القاسم أنه بلغه أن مالكا قال : أما ما قرب من ذلك الذي يرى أن مثله لم يكن ليبني على أن يخرج في قرب ذلك ، وهو يراه حتى بنى فلا أرى له أن يخرجه إلا أن يدفع إليه ما أنفق ، وإلا لم يكن ذلك له حتى يستكمل ما يرى الناس أنه يسكن مثله في قدر ما عمر . وأما إذا كان قد سكت الزمان فيما يظن أن مثله قد يبنى على أن يسكنه فأرى له أن يخرجه ويعطيه قيمة نقضه إن أحب ، وإن لم يكن لرب الأرض حاجة لنقضه ، قيل للآخر : اقلع نقضك ولا قيمة لك على رب الأرض . وهذا قول مالك ، وإن كان ضرب له أجلا فبنى وغرس ، فلما مضى الأجل أردت إخراجه .

                                                                                                                                                                              قال : قال مالك : يخرجه ويدفع قيمة نقضه إن أحب رب الأرض ، وإن أبى قيل للذي بنى وغرس : اقلع نقضك وغراسك ولا شيء لك غير ذلك ، وليس له أن يخرجه قبل مضي الوقت إذا بنى وغرس .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وزعم ابن الحسن أنه إذا أعاره أرضا فزرعها فلما تقارب حصاده أراد أن يخرجه . قال : أما الزرع فإني أستحسن فيه إذا زرعها أن لا يأخذ رب الأرض الأرض حتى يحصد الزرع ، فإذا [ ص: 362 ] حصده أخذ رب الأرض أرضه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا تفريق بين الزرع والنخل والبناء بغير حجة ، وليس بين هذا وبين المسائل الأولى التي ذكرناها عنهم فرق ، إذا أعاره على أن يبني ويغرس فله إخراجه منه متى شاء لا فرق بين أن يوقت فيه وقتا أو لا يوقت ، ولا فرق بين الوقت القريب منه والزمان الطويل ، ولا نعلم مع من فرق بين الغرس والبناء وبين الزرع حجة ، ولا حجة أيضا مع من أوجب عليه إذا وقت له وقتا القيمة ، وأسقط عنه إذا لم يوقت له وقتا ، ولا حجة أيضا مع من أوجب له القيمة في الحالين جميعا .

                                                                                                                                                                              وإلزام المعير قيمة العمارة أو الغراس في هذه الأحوال غير جائز إلا بحجة ، ولا حجة نعلمها مع من أوجب شيئا من ذلك في مال المعير . والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية