الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اللقيط والنفقة عليه

                                                                                                                                                                              أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا التقط لقيطا ، أن نفقته غير واجبة عليه وجوبا يؤخذ به كما يؤخذ المنفق على ولده .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل ينفق على اللقيط بغير أمر حاكم .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا شيء له ، وهو متطوع فيما فعل . روينا هذا القول عن شريح والشعبي ، وبه قال عوام أهل الفتيا من علماء الأمصار منهم مالك وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، والنعمان ، وابن الحسن ، ومن تبعهم من أهل العلم وبه نقول ، وذلك أنه متطوع فيما فعل إنما يجب [ ص: 431 ] القيام بأمره ونفقته من بيت مال المسلمين .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : يرجع بالنفقة عليه إذا أشهد . روينا هذا القول عن النخعي ، وعن شريح ، وروينا - معنى ذلك - عن عمر بن عبد العزيز ، وروينا عن عمر بن عبد العزيز قولا ثالثا : وهو أن يستحلف أنه لم ينفق عليه احتسابا فإن حلف استسعى .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن علي قولا رابعا ، روينا عنه أنه قال : المنبوذ حر . فإن طلب الذي رباه (بنفقته) (وكان) موسرا رد عليه ، وإن لم يكن موسرا كان ما أنفق عليه صدقة .

                                                                                                                                                                              وفيه قول خامس : قاله أحمد بن حنبل ، وهو أن نفقته إذا أنفق تؤدى عنه من بيت المال ، واحتج بالذي : روي عن عمر أنه قال : هو حر ولك ولاؤه ، وعلينا نفقته من بيت المال .

                                                                                                                                                                              وفيه قول سادس : قاله إسحاق بن راهويه ، قال إسحاق : إن كان حين أنفق نوى أخذه عوض من بيت المال وإن تورع فلا شيء له ، فأما اللقيط فلا يكون عليه من ذلك شيء .

                                                                                                                                                                              وفيه قول سابع : روينا عن عمر بن عبد العزيز ، عن عمر بن الخطاب أنه قضى في ولد الزنا أنه يقاص صاحبه بما خدمه وما بقي استسعاه فيه . قال : وقضيت أنا بقاصه بما خدمه ، وما بقي أديته عنه [ ص: 432 ] من بيت المال .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وكل هذا إذا كانت نفقته بغير إذن [من] الإمام (فأما إذا) رفع أمره إلى الإمام فأمره أن ينفق عليه .

                                                                                                                                                                              ففي قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي : يلزم ذلك اللقيط إذا بلغ وكان الذي أنفق بأمر الإمام قصدا بالمعروف .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كان اللقيط في مكان ليس به إمام وجب على الملتقط وعلى سائر المسلمين أن لا يضيعوه ويحيوه ولا يرجعون بشيء مما أنفقوه عليه ، فإن أمره الإمام أن ينفق عليه [ليرجع به عليه] فادعى أنه أنفق عليه مائة دينار ، وقال اللقيط : بل أنفق علي خمسين دينارا ، ففي هذا اختلاف .

                                                                                                                                                                              كان الشافعي يقول : وما ادعى قبل منه إذا كان ذلك قصدا .

                                                                                                                                                                              وقال غيره : القول قول (الملتقط) في الزيادة قال : لأنها دعوى ، وليس [كالأمين] والوصي ، وذلك أن [الأمين] يذكر في النفقة ما يبرأ به ، وهذا يدعي مالا لنفسه ، فقوله غير مقبول إلا ببينة . [ ص: 433 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا أمره القاضي أن ينفق عليه على أن يكون دينا عليه فهو جائز ، وهو دين عليه ، وإذا أدرك اللقيط فكان عدلا جازت شهادته في قول مالك والشافعي والكوفي ، ولا أعلمهم مختلفون في هذا .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية