الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر المكاتب يكاتب عبدا له

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المكاتب يكاتب عبدا له . [ ص: 497 ]

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : ذلك جائز . هذا قول سفيان الثوري والنعمان ومن تبعهما ، قال الثوري : فإن أدى إلى المكاتب عتق ، وإن عجز هذا الذي كاتبه رد ولم يرد الذي كاتب المكاتب وكان ولاؤه لموالي المكاتب ، وإن عجز المكاتب الأول الذي كاتبه وهذا لم يؤد أدى إلى موالي المكاتب الأول وكان الولاء لهم . وقال النعمان في المكاتب يكاتب عبده قال : جائز . ثم قال : فإن أعتقه على مال لم يجز ، وإن باعه نفسه بماله لم يجز وإن زوج أمته رجلا جاز ، وإن زوج عبده لم يجز ، ولا يجوز للعبد المأذون له في التجارة شيء صنعه من هذا ، في قول النعمان ومحمد . وقال يعقوب : يجوز له أن يزوج أمته .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن ينظر في ذلك ، فإن كان إنما أراد المحاباة للعبد [و] عرف ذلك منه بالتخفيف عنه فلا يجوز ، وإن كان إنما كاتبه على وجه الرغبة وطلب المال وابتغاء الفضل والعون على كتابته فذلك جائز له . (هذا) قول مالك بن أنس .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : وهو أن ليس للمكاتب أن يكاتب ولا يعتق ولا يهب ولا يتزوج إلا بإذن سيده . هكذا قال الحسن البصري . وكان الشافعي يقول : وإذا أذن الرجل لمكاتبه أن يعتق عبده فأعتقه أو أذن له أن يكاتب عبده على شيء فكاتبه ، وأدى المكاتب الأجر قبل الذي كاتبه [ ص: 498 ] أو لم يؤد فلا يجوز في هذا إلا واحد من قولين : أحدهما : أن العتق والكتابة باطل ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الولاء لمن أعتق" فلما كان المكاتب لا يكون له ولاء لم يجز أن يعتق ولا يكاتب من يعتق بكتابة وهو لا ولاء له . ومن قال هذا قال : ليس هذا [كالبيوع ولا] الهبات ، ذلك شيء يخرج من ماله لا يعود عليه منه شيء بحال ، والعتق بالكتابة شيء يخرج به من ماله له فيه على المعتق حق ولاء فلما لم يعلم مخالفا أن الولاء لا يكون إلا لحر لم يجز عتقه بحال .

                                                                                                                                                                              والقول الثاني : أن يجوز .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي في مكاتب كاتب غلاما له بإذن سيده [قال : جائز فإن أدى الأول] كتابته عتق وسعى مكاتبه في كتابته ، فإن عجز الأول رد في الرق وسعى الآخر للسيد فإذا أدى عتق . قيل للأوزاعي : فإن كاتبه بغير إذن سيده ؟ قال : إن أدى الأول عتق وصار مكاتبا للسيد ، وما كان للمكاتب من مال فهو للسيد . وقال حماد بن أبي سليمان في المكاتب يعتق مملوكا كان له قال : يرجى فإن مضى عتقه عتق وإلا رجع .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية