الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الحكم في أولاد المدبرة

                                                                                                                                                                              واختلفوا في أولاد المدبرة : فقالت طائفة : أولاد المدبرة بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها .

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن ابن عمر وابن مسعود .

                                                                                                                                                                              8770 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد العزيز بن عبيد الله ، عن الشعبي ، عن عبد الله ، وعن شريح أنهما قالا في ولد المدبرة : يعتقون بعتقها ويرقون برقها .

                                                                                                                                                                              8771 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : أولاد المدبرة بمنزلة أمهم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا قول الشعبي ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، والزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، والقاسم بن محمد ، ومجاهد .

                                                                                                                                                                              وبه قال مالك : أن ولدها بمنزلتها يعتقون بعتقها .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : كل ذات رحم بمنزلة أمهم إن كانت حرة فولدها أحرار ، وإن كانت مدبرة فولدها بمنزلتها . [ ص: 586 ]

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري ، والحسن بن صالح ، والليث بن سعد : ولدها بمنزلتها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإنما مذهب من أحفظ عنه من هؤلاء أن أولادها الذين يكونون بمنزلتها ما ولدت بعد التدبير ، وأما ما كان لها من ولد قبل التدبير فهم مماليك .

                                                                                                                                                                              8772 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا قتيبة وكامل قالا : حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي النضر ، عن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة أنه قال : أنكح سيدي جدتي عبدا [له] ثم أعتقها عن تدبير .

                                                                                                                                                                              هكذا قال قتيبة في حديثه ، وأما كامل فقال : أنكح سيد جدي جدتي عبدا [له] ثم أعتقها عن دبر قال قتيبة في حديثه : وقد ولدت أولادا قبل أن يعتقها ثم ولدت أولادا بعد عتقها عن دبر ، ثم توفي سيدها فخاصمت إلى عثمان بن عفان فقضى أن ما ولدت قبل أن يدبر عبيد وما ولدت بعد التدبير معها يعتقون بعتقها .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : أم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد .

                                                                                                                                                                              وبه قال أحمد وإسحاق . [ ص: 587 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا أعتق الرجل [أمته] عن دبر وهي حبلى أو غير حبلى فحملت بعد العتق وولدت فإن ولدها بمنزلتها يعتق معها من الثلث .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : وإذا دبر الرجل أمة فولدت بعد تدبيرها في بقية من عمرها وهي مدبرة فسواء ، والقول فيهم واحد من قولين كلاهما له مذهب . والله أعلم .

                                                                                                                                                                              أحدهما : أن ولد المدبرة بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها . وقد قال هذا القول بعض أهل العلم .

                                                                                                                                                                              والقول الثاني : أن الرجل إذا دبر أمته فولدت بعد التدبير أولادا فهم مملوكون ، وذلك أنها أمة أوصى بعتقها لصاحبها الرجوع في عتقها وبيعها ، وليس هذه حرية ثابتة وهذه أمة موصى لها ، فالوصية ليست بشيء لازم هو يرجع فيه صاحبه فأولادها مملوكون ، وقد قال هذا غير واحد من أهل العلم .

                                                                                                                                                                              وذكر الشافعي ، عن أبي الشعثاء قال : أولادها مملوكون . قال [ المزني ] : هذا أصح القولين عندي وأشبههما بقول الشافعي ، لأن التدبير عنده وصية بعتقها كما لو أوصى برقبتها لم يدخل في الوصية ولدها . [ ص: 588 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقالت طائفة أولاد [المدبرة] مملوكون . روي هذا القول عن زيد بن ثابت ، وبه قال جماعة .

                                                                                                                                                                              8773 - حدثنا موسى قال : حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا مروان ، عن عثمان بن حكيم قال : أخبرني (مسلم) بن يسار قال : كنت عند زيد بن ثابت وأتاه فتى من الأنصار فقال : إن ابنة عم لي وأنا وليها أعتقت جارية لها [عن] دبر ، ليس لها مال غيرها . قال زيد : فلتأخذ من رحمها ما دامت حية .

                                                                                                                                                                              8774 - وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أن تباع [أولاد المدبرة] .

                                                                                                                                                                              وقال عطاء : أولاد المدبرة عبيد ، وإن كانت حبلى يوم تدبر فولدها كالمدبر كأنه عضو منها . [ ص: 589 ]

                                                                                                                                                                              وقال جابر بن زيد في ولد المدبرة : هم عبيد كالحائط تصدقت به إذا مت فلك ثمرته ما عشت .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي في ولد المدبرة : أرقهم عمر بن عبد العزيز ومكحول .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي عليه الأكثر من فقهاء الأمصار أن أولاد المدبرة الذين تلدهم بعد التدبير بمنزلتها . ومن حجة بعض من قال بهذا القول : إجماعهم على أن أولاد الحرة أحرار وعلى أن أولاد الأمة مماليك ، فوجب على هذا المثال أن يكون حكم أولاد المدبرة حكم أمهم . وقد احتج جابر بن زيد لمذهبه .

                                                                                                                                                                              وقد اختلفوا في ولد المدبر : فروي عن ابن عمر وليس بثابت عنه أنه قال : هم بمنزلة أمهم .

                                                                                                                                                                              وبه قال عطاء ، والزهري ، والأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد : إنما الولد للرحم .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : إذا اشترى المدبر جارية فوطئها وحملت منه وولدت ليس لسيد المدبر أن يبيع ولده ، لأن ولد المدبرة من جاريته بمنزلته يعتقون بعتقه ويرقون برقه .

                                                                                                                                                                              قال مالك : وكان عبد الله بن عمر يقول : ولد المدبر من أمته بمنزلته .

                                                                                                                                                                              وقال عبد الملك في ولد المدبر من أمته : إن ولدته لستة أشهر من يوم [ ص: 590 ] دبر أبوه فهو بمنزلة أبيه مدبر ، وإن كان ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم دبر لم يكن مدبرا .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : إذا اشترى المملوك وهو مدبر ، فولده بمنزلته يعتقون بعتقه ، وهم من الثلث .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية