الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر المساقي يساقي غيره

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يدفع إليه الرجل النخل مساقاة، فيساقي العامل غيره .

                                                                                                                                                                              فقال مالك : الناس يختلفون في أمانتهم، ورضا الناس بهم، فإن أتى برجل أمين فذلك له .

                                                                                                                                                                              وقال: لا يجوز ذلك في القراض، إذا دفع رجل إلى رجل مالا قراضا، فليس له أن يقارض أحدا . [ ص: 119 ]

                                                                                                                                                                              وسئل مالك عن رجل أخذ حائطا على النصف ثم دفعه على الثلثين وعلم صاحب الأصل بذلك، فلما أن حضرت الثمرة أراد الداخل أن يأخذ الثلثين .

                                                                                                                                                                              قال مالك : ليس ذلك له ولكن يأخذ الأول النصف، فقال له رجل: أفلي أن أرجع على صاحبي بفضل ما بقي لي؟ قال: نعم .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن لا يجوز أن يدفعها إلى غيره معاملة، وذلك إذا لم يقل: اعمل فيها برأيك، وإن عمل على ذلك فما خرج فلصاحب النخل، وللعامل الأخير على العامل الأول كراء مثله، وليس للعامل الأول شيء، وذلك أنه لم يعمل شيئا مما يستوجب به أجرا، وكان [ضامنا لو] تلف الشيء، ولو أصاب الغلة آفة من السماء فتلفت، كان العامل الأول ضامنا لرب الأرض، وكان للعامل الأخير كراء مثله، هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب ومحمد كما قال أبو ثور في المسألة الأولى .

                                                                                                                                                                              وقالا: فإن أصاب الغلة أمر أتلفها من السماء لم يكن على أحد من العاملين شيء، وإن تلفت بشيء فعله العامل (الآخر) ، فلصاحب النخل الضمان عليه، وليس له على الأول شيء، فإن تلفت الثمرة في [ ص: 120 ] يدي العامل الأخير من عمل عمله، لم يخالف فيه ما أمر به، [فصاحب] النخل بالخيار في تضمين أي العاملين شاء، فإن ضمن الأول لم يرجع على الأخير بشيء، وإن ضمن الأخير رجع على الأول بما ضمن، قالا: ولو قال صاحب الأرض حين دفعها إلى العامل الأول: اعمل فيها برأيك، فدفعها على ما وصفنا، كان ذلك جائزا، وكان للعامل الأخير ثلث ما خرج، وما بقي فبين صاحب الأرض والعامل الأول نصفين، لأن هذا إنما صار في أيديهما، هذا بمنزلة المضاربة إذا أمره أن يعمل فيها برأيه، فدفعها المضارب إلى مضارب آخر، كان للمضارب الأخير ما فارقه عليه، وكان ما بقي بين رب المال والمضارب الأول على ما اشترطا عليه .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية