الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في القوم يشتركون فيخرج بعضهم البذر ويكون من عند بعضهم البقر، ومن عند بعضهم الأرض ويعمل بعضهم بيده

                                                                                                                                                                              واختلفوا في النفر يشتركون على أن البقر من عند أحدهم، والأرض من عند الآخر .

                                                                                                                                                                              فكان الشافعي يقول: الشركة فاسدة، فإذا (زرعها) على هذا، و [البذر] من عندهما، فالبذر بينهما نصفان، ويرجع صاحب البقر على [ ص: 84 ] صاحب الأرض بحصته من الأرض بقدر ما أصابها من العمل، ويرجع صاحب الأرض على صاحب الزرع بحصة كراء ما زرع من أرضه، قل أو كثر الزرع أو احترق فلم يكن منه شيء .

                                                                                                                                                                              وقال مالك في الرجل يدفع إلى الرجل الحب يبذره في أرضه، ويكون ما يخرج بينهما، قال: أرى أن يدفع صاحب الأرض الذي دفع إليه الحب قيمة الحب إلى صاحبه، ويكون الزرع لصاحب الأرض .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا اشترك أربعة في زرعة وقال أحدهم: علي البذر، وقال الآخر: علي الأرض، وقال الآخر: علي العمل، وقال الآخر علي البقر، فعملوا على ذلك فسلم الزرع، فإن الزرع كله لصاحب البذر، وعلى صاحب البذر أجر مثل البقر، وأجر مثل الرجل العامل، وأجر مثل الأرض، وينظر صاحب الزرع فيما بينه وبين الله عز وجل من غير أن يجبر على ذلك أن ينظر إلى الزرع فيخرج منه [بذره فيسلم له] طيبا، ثم ينظر إلى قدر ما غرم من الأجر لصاحب العمل وصاحب الأرض وصاحب البقر فيأخذ مثل ذلك مما بقي، فإن بقي شيء بعد ذلك تصدق به ولم يأكله .

                                                                                                                                                                              قال: ولو دفع رجل إلى رجل أرضا وبذرا على أن يعمل الآخر في ذلك بنفسه وأجرائه وبقره سنة، فما أخرج الله في ذلك من شيء فلصاحب البذر والأرض النصف، ولصاحب العمل النصف، فإن ذلك في قول [ ص: 85 ] النعمان [باطل .

                                                                                                                                                                              وكذلك لو دفع إليه أرضا على أن يزرعها ببذره وبقره وأعوانه، فما خرج منها شيء فلصاحب البذر في قول النعمان ] ، وهي معاملة فاسدة .

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب ، ومحمد : المسألتين في المسلمين جميعا على ما تشارطا عليه، وهذه معاملة جائزة، ولو لم تخرج الأرض شيئا لم يكن لصاحب الأرض ولا لصاحب العمل شيء .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا اشترك أربعة في زرع [فقال أحدهم] : علي البذر، وقال الآخر: علي الأرض، وقال الآخر: علي العمل، [وقال الآخر: علي البقر] فعملوا على ذلك فسلم الزرع فما خرج من ذلك فلصاحب البذر، ولصاحب البقر عليه كراء بقره، ولصاحب العمل كراء مثله، ولصاحب الأرض كراء مثل أرضه، وذلك كله على صاحب البذر .

                                                                                                                                                                              قال: وإن دفع رجل إلى رجل أرضا وبذرا على أن يعمل الآخر في ذلك بنفسه وأجرائه وبقره سنة، فما أخرج الله في ذلك من شيء فلصاحب الأرض والبذر النصف، ولصاحب العمل النصف، فذلك باطل لا يجوز، فإن عمل على ذلك كان لصاحب العمل كراء مثله، وكراء مثل أجرائه وبقره، وكان الزرع لصاحب الأرض والبذر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا جائز في قول ابن أبي ليلى ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                              وكان الليث بن سعد يقول في الرجلين يشتركان في الأرض الحرة فيأتي كل واحد منهما ببذر، ويأتي أحدهما ببدنه والآخر بدابته. فقال: [ ص: 86 ] لا أرى بأسا أن يعمل الرجل ببدنه وبدابة صاحبه، ثم يتراجعان الفضل بينهما في عمله بيده وفي عمل دابة صاحبه .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية