الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              كتاب المكاتب

                                                                                                                                                                              قال الله عز وجل : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) .

                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في الكتابة هل تجب فرضا أم هو ندب

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في وجوب الكتابة إذا علم في المملوك خير ، وسأل ذلك ، فأوجبت طائفة ذلك ، كان عطاء يقول : ما أراه إلا واجبا . وقالها عمرو بن دينار ، وروينا عن الضحاك بن مزاحم أنه قال : عزمة .

                                                                                                                                                                              8705 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : سأل سيرين أبو محمد أنس بن مالك الكتابة فأبى ، فرفع عليه عمر بن الخطاب الدرة وتلا : ( فكاتبوهم ) فكاتبه أنس . [ ص: 462 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : ليست الكتابة واجبة ، من شاء كاتب ومن شاء لم يكاتب روي هذا القول عن الشعبي ، والحسن البصري ، وبه قال مالك ، وسفيان الثوري ، والشافعي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : قاله إسحاق بن راهويه قال : لا يسع الرجل أن لا يكاتبه ، وذلك إذا اجتمع فيه الأمانة والخير من غير أن [يجبر] الحكام على ذلك ، وأخشى عليه الإثم إن لم يفعل .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولعل من حجة من رأى أن الكتابة غير واجبة ، أن يقول لك : احتمل أن يكون الأمر به ندبا وإرشادا ، واحتمل أن يكون فرضا ، لم يجز أن يفرض على الناس فرضا يلزمه يحتمل معنيين ، وعلى أن ما يجب أن يكاتب عليه العبد ليس بمعلوم يوقف عليه ، وإذا كان كذلك فغير جائز أن يلزم السيد مكاتبة عبده . ومن حجة من أوجب الكتابة أن يقول : إن الله إذا أمر بشيء فأمره لازم واجب ، وليس لأحد أن يسقط فرضا ألزمه الله الخلق في كتابه إلا بحجة من سنة أو إجماع ، وليس مع من أسقط ذلك عن السيد إذا جمع العبد القوة على الاكتساب والأمانة حجة ، وأحق الناس بهذا القول من قال بالأمر على الفرض حتى تدل سنة أو إجماع أنه على غير الفرض ، وليس يجوز إلا هذا القول ، أو يقول قائل : إن الأمور كلها على الندب حتى يدل دليل أنه على الفرض ، وإذا سقط أن يكون هذا قولا يجب أن يقال به ثبت القول الأول .

                                                                                                                                                                              فأما ما اعتل به من زعم أن ما يكاتب عليه السيد لما لم يكن معلوما [ ص: 463 ] سقط أن يكون فرضا ، فقائل هذا القول يلزم الزوج المطلق المتعة إذا لم يكن دخل بها ولم يسم لهذا صداقا ، وإن كانت المتعة غير معلومة ، فما أنكرت أن يكون [ذلك إلى الحاكم يجتهد فيه رأيه ، كما يجتهد في المتعة رأيه بل] الوصول إلى معرفة قيمة العبد أقرب من الوصول إلى قدر ما يمتع به من تجب عليه المتعة ، فأما قوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ، وقوله : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) فبعيد البتة من الأمر بالكتابة ، وذلك أن الله نهى عن الصيد في حال الإحرام ، وعن البيع إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ، ثم أباح ما كان [من حظر] [بقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ، و] بقوله : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) ، ولم يتقدم الأمر بالكتابة نهيا عن معنى فيكون الأمر بعد النهي إباحة مما كان حظر ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية