الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر تضمين الصناع

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في تضمين الصناع .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: هم ضامنون. فهذا قول مالك بن أنس ، وابن أبي ليلى . وكذلك قال يعقوب إلا أن يجيء بشيء غالب، غير أن مالكا كان يقول في الصناع: إذا استعملتهم في بيتك فضاع فلا ضمان عليهم، إلا أن يكونوا تعدوا. وروي عن علي بن أبي طالب أنه كان يضمن الأجير . [ ص: 184 ]

                                                                                                                                                                              8485 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد، عن سماك بن حرب ، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو أن عليا كان يضمن الأجير .

                                                                                                                                                                              8486 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد، عن سماك بن حرب ، عن (خلاس) أن رجلا استأجر نجارا على أن يتد له وتدا في باب، فكسر الوتد، فخاصمه إلى علي بن أبي طالب فضمنه درهما مستوقا .

                                                                                                                                                                              هذا قول عبد الله بن عتبة، وشريح، والحكم، وكان الشعبي يضمن الراعي .

                                                                                                                                                                              وقال الحسن: إن استأجره بشيء معلوم ضمن إذا ضاع .

                                                                                                                                                                              وكان النعمان يقول في السفينة إذا غرقت من ريح أو موج أو مطر أو جبل صدمته من غير فعل الملاح فلا ضمان عليه. وإن غرقت من يده أو معالجته، أو عنفه فهو ضامن . [ ص: 185 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يضمن الصانع، إلا من حرق، أو سرق، أو غرق .

                                                                                                                                                                              هكذا قال الحسن، وقتادة. وقال أحمد: كل شيء تفسده يده يضمن، وكل شيء من حرق أو غرق فأجبن عنه، وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وفرقت طائفة بين الأجير المشترك وبين غيره، فقالت: كل أجير مشترك ضامن لما جنت يده من الإجارة مما خالف فيه، ومما لم يخالف، فأما ما هلك فلا ضمان عليه. هذا في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : المشترك عندنا: القصار، والخياط، والصائغ، والإسكاف، وكل من يتقبل الأعمال من غير واحد، وأجير الرجل وحده يكون الرجل يستأجر الرجل ليخدمه شهرا، أو ليخرج معه إلى مكة، أو ما أشبه ذلك مما لا يستطيع الأجير أن يؤاجر فيه نفسه من غيره .

                                                                                                                                                                              واختلف عن الثوري في هذه المسألة. فحكى الأشجعي عنه أنه قال: إذا كان أجير مشترك فعمل له ولغيره فهو ضامن. وإذا كان أجيرا لا يعمل إلا له وحده فلا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                              وقال في السفينة تؤاجر في البحر فتنكسر وفيها متاع: لا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                              العدني عنه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا ضمان على الصناع. روي هذا القول عن ابن سيرين ، وطاووس، وقال ابن شبرمة في السفينة تؤاجر وينكسر فيها متاع: لا ضمان . [ ص: 186 ]

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : لا ضمان على الأجير كائنا من كان .

                                                                                                                                                                              وكان النخعي يضمن كل أجير مشترك. وقال في القصار إذا خرق الثوب، و [الحذاء] إذا أفسد النعل: أحسن ذلك أن لا يضمن .

                                                                                                                                                                              وكان الشعبي لا يضمن الأجير إلا ما عنتت يده .

                                                                                                                                                                              وقال حماد في القصار يضيع عنده الثوب: لا يضمن .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي في الأجراء: لا يجوز إلا واحد من قولين: أحدهما: أن من أخذ أجرا على شيء ضمنه .

                                                                                                                                                                              والقول الثاني: لا يكون مضمونا .

                                                                                                                                                                              وقال الربيع: الذي يذهب إليه الشافعي فيما رأيت أنه لا ضمان على الصناع إلا ما جنت أيديهم، ولم يكن يبوح بهذا خوفا من الصناع .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : حرم الله الأموال في كتابه، وعلى لسان نبيه، ولا يجوز إزالة ملك مالك عن ماله إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع، وليس مع من غرم الصناع في تضمينه إياهم حجة من حيث ذكرت، ولا يجوز إيجاب الفرائض بالاختلاف، وتضمينهم إيجاب فرض، وكل من فعل فعلا (مأذون) له في فعله لم يضمن، ولا يجوز تضمينه إلا بحجة .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الصانع يعمل ما استؤجر عليه فيهلك الشيء من يده قبل [ ص: 187 ] أن يسلمه إلى الآمر مثل الثوب ينسج، والخف يخرز، وما أشبه ذلك .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ليس على صاحب الثوب والخف شيء حتى يسلم الذي فيه العمل إليه. هذا قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، والنعمان .

                                                                                                                                                                              وفرق أحمد بين البناء والخياط، وقال في البناء: إذا قال: استعمل لي ألف لبنة في كذا وكذا فعمل ثم سقط فله الكراء، وإذا استعمله يوما فعمل فسقط عند الليل ما عمل فله الكراء، وإذا قال له: ارفع لي حائطا كذا وكذا ذراعا فله أن يرفعه، فإن سقط فعليه التمام. وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وقال مالك وسئل عن حفار استأجره رجل يحفر له قبرا فانهدم قال مالك : إن كان انهدم قبل فراغه فلا إجارة له .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: إذا هلكت السلعة عند الصانع بعد الفراغ منها فلا شيء عليه وله الأجرة. وهذا هكذا في كل صانع وأجير إذا فرغ من عمله فلا ضمان عليه وله الأجرة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية