الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر لقطة مكة

                                                                                                                                                                              ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ولا تحل لقطتها إلا لمنشد" . [ ص: 405 ]

                                                                                                                                                                              8677 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا إسحاق بن راهويه ، قال : أخبرنا روح بن عبادة ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يعضد عضاها ولا ينفر صيدها ، ولا يختلى خلاؤها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد " .

                                                                                                                                                                              وقد (اختلفوا) أهل [العلم] في لقطة مكة ، فجعلت طائفة حكم لقطة مكة كحكم لقط سائر البلدان ، هذا قول سعيد بن المسيب ، وروينا عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس أنهما أمرا بأن يتصدق (بلقطة) مكة بعد أن تعرف سنة ، وروي ذلك عن عائشة .

                                                                                                                                                                              8678 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا الأسود بن شيبان ، عن أبي نوفل ، عن أبيه ، أنه أصاب بدرة بالموسم على عهد عمر فلم يعرفها أحد ، فأتى بها عمر عند النفر . فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه بدرة أصبتها ، فيها مال ، فعرفتها فلم يعرفها أحد (فأغبها) عني . فقال عمر : ما أنا بفاعل . فقال : يا أمير المؤمنين ، فما تأمرني بها . فقال : أمسكها حتى توافي بها الموسم قابل . قال : ففعل فعرفها فلم يعرفها أحد ، فأتى بها عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه البدرة التي أصبت أتيتك بها فأمرتني أن أوافي بها الموسم فأعرفها [ ص: 406 ] ففعلت ، فلم أجد من يعرفها فأغبها عني . فقال : ما أنا بفاعل ، ولكن إن شئت خبرتك بالمخرج منها أو سبيلها . فقال : يا أمير المؤمنين ، وما المخرج منها ؟ فقال : إن شئت تصدقت بها . فإن جاء صاحبها خيرته ، فإن اختار المال رددت عليه المال ، وكان الأجر لك ، وإن اختار الأجر كان [لك] نيتك .

                                                                                                                                                                              8679 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : حدثني أبي قال : وجدت عشرة دنانير ، فأتيت ابن عباس فسألته عنها فقال : عرفها على الحجر سنة ، فإن لم تعرف فتصدق بها ، فإن جاء صاحبها فخيره الأجر ، أو الغرم .

                                                                                                                                                                              8680 - وحدثونا عن بندار ، قال : حدثنا محمد ، حدثنا شعبة ، عن يزيد الرشك ، عن معاذة ، عن عائشة ، أنها سألتها أو امرأة [أخرى] إني وجدت لقطة في الحرم ، فعرفتها ، فلم أجد من يعرفها فقالت : استمتعي بها أو تصدقي بها .

                                                                                                                                                                              وهو مذهب أحمد بن حنبل (كذا) فرق بين لقطتها ولقطة غيرها ، وفيه قول ثان : وهو أن لقطتها لا تحل البتة ، وليس لواجدها منها شيء [ ص: 407 ] إلا الإنشاد أبدا . هذا قول عبد الرحمن بن مهدي ، وأبي عبيد ، واختلفوا في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تحل لقطتها إلا لمنشد" . كان جرير بن عبد الحميد يقول : لا تحل لقطتها إلا لمنشد ، قال : يعني إلا من سمع ناشدا يقول قبل ذلك أو معروفا : من أصاب كذا وكذا فحينئذ يجوز للملتقط أن يرفعها إذا رآها لكي يردها على صاحبها ، ومال إسحاق بن راهويه إلى قول جرير هذا .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : حدثنيه علي ، عن أبي عبيد ، قال سألت ابن مهدي ، عن قوله : لا تحل لقطتها إلا لمنشد ، قال : فقال : إنما معناه : لا تحل لقطتها كأنه يريد البتة ، فقيل له : إلا لمنشد . فقال : إلا لمنشد ، وهو يريد المعنى الأول .

                                                                                                                                                                              قال [ أبو عبيد ] : ومذهب عبد الرحمن في هذا التفسير : كالرجل يقول : والله لا فعلت كذا وكذا ، ثم يقول : إن شاء الله وهو لا يريد الرجوع عن يمينه ولكنه لقن شيئا [فلقنه] ومعناه أنه ليس على الملتقط منها شيء إلا إنشادها ، فأما الانتفاع بها فلا ، وقال غيره : لا تحل لقطتها إلا لمنشد يعني : طالبها الذي يطلبها ، وهو ربها . قال : أبو عبيد : فهذا أحسن في المعنى ، ولكنه لا يجوز في العربية ، أن يقال للطالب منشدا ، إنما المنشد المعرف . والطالب هو الناشد ، يقال منه : نشدت الضالة أنشدها إنشادا فأنا منشد ومما يبين لك أن الناشد [ ص: 408 ] هو الطالب حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد . فقال : "أيها الناشد غيرك الواجد" .

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : وفي هذا قول ثالث أنه أراد إلا لمنشد إن لم ينشدها ، فلا يحل له الانتفاع بها . قال أبو عبيد : ولو كان هكذا لما كانت مكة مخصوصة بشيء دون البلاد ، وليس للحديث وجه إلا ما قال ابن المهدي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وليس يخلو قوله إلا لمنشد " أن يكون أراد به المعرف أو الطالب ، فإن كان أراد المعرف فليس تحل له اللقطة أبدا وعليه أن يعرفها حتى يجد صاحبها ، أو يكون أراد به الطالب فلا تحل لغيره ، وغير جائز على أي المعنيين كان أن تباح لقطة مكة إلا لصاحبها ، لأنها خصت من بين البلدان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية