الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              إجارة الظئر

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) . فاستئجار الظئر جائز، لأن الله أذن فيه، ولا اختلاف بين أهل العلم في ذلك أعلمه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فللمرء أن يستأجر المرأة لترضع صبيا وقتا معلوما بأجر معلوم إذا كانا عالمين بما عقدا عليه الإجارة، وطعام الظئر، ونفقتها، وكسوتها على نفسها، ليس على المستأجر من ذلك شيء، فإن اشترطت عليه كسوة ونفقة، فكان ذلك معلوما معروفا عندهما حتى يصفا ذلك كما يصفه المسلف في الكسوة والطعام، فذلك جائز، ولا أعلم فيما قلت اختلافا عمن أحفظ عنه من أهل العلم .

                                                                                                                                                                              واختلف أصحاب الرأي فيه إن اشترطت كسوتها كل سنة ثلاثة أثواب زطي أو صنف غير ذلك، واشترطت عليه عند الطعام دراهم مسماة وقطيفة ومسبحا وفراشا . [ ص: 159 ]

                                                                                                                                                                              فكان النعمان يقول: أستحسن فأجيز ذلك في الظئر ولا أجيز في غيرها، وقال: لها من ذلك وسط من الطعام والثياب .

                                                                                                                                                                              وقال أبو يوسف ، ومحمد : لها أجر مثلها فيما أرضعت .

                                                                                                                                                                              وفي قول أبي حنيفة : إن اشترطت عليهم طعاما فجائز .

                                                                                                                                                                              وفي قول أبي يوسف ومحمد : لا يجوز، إلا أن يكون كما ذكرناه موصوفا معلوما إلى أجل مسمى .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وكل هذا لا يجوز في مذهب الشافعي إلا معلوما .

                                                                                                                                                                              وفي قول أبي ثور وأهل الكوفة: إذا أجرت نفسها بغير إذن الزوج فله فسخ ذلك إذا كان معروفا أنه زوجها، وإن لم يعلم أنه زوجها إلا (بقولها) لم تنقض الإجارة في قولهم. وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              وإذا مات الصبي وقد مضت سنة، وكان الرضاع إلى سنتين تأخذ نصف ما شرط لها في قول الشافعي وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول سواه: وهو أن للمستأجر أن يؤاجرها إلى انقضاء المدة، أو يدع ذلك. هذا قول مال إليه أبو ثور .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن عليه تمريخ الصبي أو تدهينه وغسل ثيابه .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ليس على الظئر من ذلك شيء إلا أن يشترط عليها في عقد الإجارة، لأن هذا غير الرضاع. كذلك قال أبو ثور ، وبه نقول . [ ص: 160 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: غسل ثياب الصبي وعلاجه بالرياحين والأدهان عليها .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في بيع لبن المرأة. فرخص في بيعه وشرائه وزنا وكيلا للشرب والعلاج والسعوط أبو ثور ، فقال: لا فرق بين لبنها، وألبان المواشي. وكذلك نقول، إذ قد أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه طاهر .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يجوز بيع ألبان بنات آدم [بوجه، ورخصت أن] يستعط به، ويشرب للدواء. هذا قول أصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وليس لأهل الصبي منع زوج الظئر من وطئها مخافة الحبل أن يضر ذلك بولدهم، لأن ذلك من مانعه منع ما أباح الله بغير حجة .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المرأة تؤاجر نفسها من قوم لترضع صبيا ثم تؤاجر نفسها من قوم آخرين بغير علم من الأولين .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: الأجرة الثانية فاسدة، وليس لها أن تبيع من لبنها شيئا .

                                                                                                                                                                              هذا قول أبي ثور . وبه نقول . [ ص: 161 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا فعلت ذلك أثمت ولها الأجر كاملا على هؤلاء وعلى هؤلاء، ولا يتصدق منه بشيء .

                                                                                                                                                                              وفي قول أبي ثور : ما أخذته من الآخرين للأولين .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن استأجر ظئرا على أن ترضع صبيا في بيتها فدفعته إلى خادم لها فأرضعته حتى فطمته .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا شيء لها ولا للخادم، وهي متطوعة بذلك. كذلك قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لها أجرها .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في رجل أراد زوجته على أن ترضع ولدها منه فأبت .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: تجبر على ذلك، وهذا أمر عليه الناس، لا يتمانعون منه .

                                                                                                                                                                              واحتج من قال هذا القول بأن الله عز وجل لما فرض للمرأة المطلقة الأجرة إذا أرضعت دل على أن التي لم تطلق ليست كذلك. هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا أبت الزوجة أن ترضع ولده منها لها ذلك، وليس له أن يستكرهها على رضاعه، فإن استأجرها على رضاعة بأجر معلوم وقبلت فلا أجر لها .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إن استأجر خادما لها لترضعه لم يكن لها أجرة، ولو استأجرت مكاتبة لها كانت لها الأجرة، ولو استأجرت مدبرتها كانت الأجرة باطلا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : إذا لم يكن عليها أن ترضع فلم يمنعها من أخذ الأجرة [ ص: 162 ] على الرضاع، وهو يقول: له أن يأذن لها فتؤاجر من قوم آخرين. ومن قوله: لو كان له ولد من غيرها، واستأجرها أن ترضع ولده من غيرها كان ذلك جائزا، وهذا ينقض بعضه بعضا .

                                                                                                                                                                              أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للرجل أن يستأجر أمه أو أخته أو ابنته أو عمته أو خالته لرضاع ولده .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يستأجر المرأة للرضاع فتأبى أن ترضع .

                                                                                                                                                                              فقال أبو ثور : تجبر على ذلك، عرفت به أم لم تعرف. وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا كانت عرفت بمثل هذا العمل جبرت عليه، وإن كانت لا تعرف به لم تجبر .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية