الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر النفقة على العبد الآبق

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما ينفقه الذي وجد العبد الآبق عليه . فقالت طائفة : هو متطوع ولا نفقة له هذا قول الشافعي والحسن بن صالح ، وأصحاب الرأي ، وبه نقول ، وذلك أنه متطوع بما فعل وليس يلزم السيد ذلك إذا لم يكن أمره به . وقال مالك في الذي يجد الآبق : ما أرى له إلا ما أنفق عليه من ركوب أو غيره . [ ص: 455 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة ، فأبق وباع في إباقه واشترى ، فقال أصحاب الرأي : إذا باع في حال إباقه أو اشترى لم يجز .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن بيعه وشراءه جائز ، لأن الإذن الذي أذن له مولاه غير زائل عنه بإباقه حتى يرجع عن ذلك السيد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : هذا أصح .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا أخذ الرجل عبدا آبقا فأراد بيعه وجب منعه من ذلك ، فإن باعه بغير قضاء قاض فالبيع باطل في قول الشافعي والكوفي . وإن باعه بأمر قاض فالبيع جائز في قولهم (جميعا) .

                                                                                                                                                                              وكان الأوزاعي يقول في الأمراء يحبسون الأباق على ساداتهم ، قال : يؤمر ببيعه وإيقاف ثمنه إذا طال حبسه ، فإن جاء صاحبه خيره إن كان الغلام قائما بعينه بينه وبين ثمنه ، فإن كان الغلام قد هلك أعطاه ثمنه . وقال مالك : أما الرقيق الذين يأبقون ويؤخذون فإنهم يحبسون ، فإن لم يأت لهم طالب بيعوا ، فإن جاء لهم طالب بعد أن يباعوا لم يكن لهم إلا الثمن الذي بيعوا به ، لأن من اشتراهم قد كان ضامنا لما اشتراه منهم ، قال : ولا يجوز لأحد أن يبيع ضالة غير الإمام ، يونس عن وهب عنه . وقال أصحاب الرأي : إذا أتي السلطان بالعبد الآبق فسجنه ، فلم يجئ للعبد طالب ، فطال ذلك باعه الإمام ، وأمسك الثمن حتى يجيء له طالب ، فإذا جاء له طالب فأقام البينة دفع الثمن إليه ، فإن لم يأت الطالب ولم يبعه الإمام أشهرا وأياما ، فإن [ ص: 456 ] الإمام ينفق عليه من بيت المال فإذا جاء [صاحبه] ضمنه النفقة ، فإن باعه أخذ تلك النفقة من الثمن ، وإن باعه الإمام ثم جاء صاحب العبد فأقام البينة أنه عبده ، لم يرد الإمام البيع ولكنه يعطيه الثمن ، لأن بيع الإمام عليه جائز .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وليس للسيد أن يبيع العبد في حال إباقه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وهذا قول مالك والشافعي والكوفي ، وقد روينا عن ابن سيرين أنه كان لا يرى [ببيعه] بأسا إذا كان علمهما فيه واحدا ، وقد ثبت عن ابن عمر اشترى من بعض ولده بعيرا شارقا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا أعتق الرجل عبده الآبق وقع عليه العتق حيث كان ولا سبيل للمولى عليه ، ولا أعلمهم يختلفون في هذا .

                                                                                                                                                                              وإذا وهب الرجل عبده الآبق وقبله الموهوب له فالهبة باطل ، في قول الشافعي وأصحاب الرأي ، وذلك أن الهبة لا تتم عندهم إلا بالقبض .

                                                                                                                                                                              وقال آخر : هذا جائز إذا قبله ، هذا قول أبي ثور ، وقال ابن الحسن في العبد الآبق يوهب : لا تجوز هبته ، لأنه لم يقبضه ثم نقض ما قال فقال : فإن وهبه لابن له صغير وأشهد على ذلك فهو جائز . [ ص: 457 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا أتى رجل إلى الإمام بعبد آبق فحبسه فأقام رجل البينة أنه له ، وجب عليه دفعه ، وليس للإمام أن يستحلفه ما باع ولا وهب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البينة على المدعي وقد أقام هذا البينة على ما ادعاه فلا يجب استحلافه عليه .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : يستحلف بالله ما بعته ولا وهبته ويدفعه إليه وقالوا : يأخذ منه كفيلا أحب إلينا على ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لا يجوز أن يؤخذ [منه] كفيلا إذ لا حجة في إيجاب ذلك ، فإن لم تكن بينة وأقر العبد للمدعي وجب دفعه إليه .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال الكوفي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا جنى العبد الآبق ، أو جني عليه ، أو قذف أو زنى ، أو سرق ، أو شرب الخمر ، أو فعل فعلا يجب به عليه حكم ، فحكمه [في جميع ما] ذكرناه فيما يجب عليه وله كحكم سائر العبيد لا فرق بينهم في ذلك ، وهذا كله على مذهب الشافعي والكوفي إلا ما (ذكرنا) عنهم فيما مضى من الاختلاف ، وإذا كاتب الرجل عبدا له ثم أبق العبد المكاتب لم تنتقض كتابته ، وهذا على (مذهب) [ ص: 458 ] الشافعي والكوفي ، وزعم أصحاب الرأي أنه إن كان مأذونا له في التجارة فأبق أن ذلك يبطل الإذن ، ويكون بمنزلة المحجور عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وليس بين المكاتب والمأذون له في التجارة فرق ، ولا حجة مع من أبطل عنه ما جعل إليه السيد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ويجزئ عتق العبد الآبق عن الظهار إذا علم بحياته ومكانه ، وكذلك قال أصحاب الرأي ، وإذا أبق العبد فنكح في حال إباقه بغير إذن سيده فالنكاح باطل ولا يجوز بإجازة السيد ذلك . وقال ابن الحسن : إذا أجاز المولى جاز . [ ص: 459 ]

                                                                                                                                                                              [ ص: 460 ] [ ص: 461 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية