الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الإجارة على البناء وإثباته

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - في قصة موسى والخضر قال: ( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه ) الآية .

                                                                                                                                                                              8468 - أخبرنا حاتم بن منصور أن الحميدي حدثهم قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس : إن [نوفا البكالي] يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر، فقال ابن عباس : كذب عدو [ ص: 142 ] الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فقال: إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك. فقال موسى : أي رب، فكيف لي به؟ قال: تأخذ حوتا فتجعله في مكتل، ثم تنطلق فحيثما فقدت الحوت فهو ثم. فأخذ حوتا فجعله في مكتل، ثم انطلق معه بفتاه يوشع بن نون، حتى إذا انتهيا إلى الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، فاضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه ( آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، فقال له فتاه: ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ) ، قال: فكان للحوت سربا، ولموسى ولصاحبه عجبا، وقال موسى : ( ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ) ، قال: وجعلا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى ثوبا فسلم عليه موسى ، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام. قال: أنا موسى . قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا، قال الخضر: ( إنك لن تستطيع معي صبرا ) إني على علم من علم الله علمنيه وأنت على علم من الله علمكه لا أعلمه . [ ص: 143 ]

                                                                                                                                                                              قال موسى : ( ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) ، قال الخضر: ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ) فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة فكلموهم أن [يحملوهم] فعرفوا الخضر، فحملوهم - يعني بغير نول - فلما ركبا السفينة لم يصح موسى إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم حملونا بغير نول فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا. قال له الخضر: ( ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ) قال له موسى : ( لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ) قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا. قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة ونقر من البحر نقرة، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر. قال: ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى : ( أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ) . قال: وهذه أشد من الأولى ( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ) [ ص: 144 ] [قال: مائل] قال الخضر بيده هكذا فأقامه. قال له موسى : قوم [أتيناهم] فلم يطعمونا ولم يضيفونا ( قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) إلى قوله: ( وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما. قال سعيد بن جبير : وكان ابن عباس يقرأ: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) ، وكان يقرأ: (وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين) "
                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : دل هذا الخبر على إباحة أخذ الأموال من الركبان في البحر . [ ص: 145 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية