الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الوديعة يحرزها المودع بنفسه أو يدفعها إلى غيره

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة بنفسه في صندوقه أو حانوته أو بيته فتلفت أن لا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يودع الرجل الوديعة فيودعها غيره .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : هو لها ضامن .

                                                                                                                                                                              هذا قول شريح ، وبه قال مالك والشافعي ، والنعمان [ ص: 311 ] وأصحابه وإسحاق ، وحكي ذلك عن الأوزاعي ، وهذا إذا لم يكن له عذر فإن حضر المودع سفر أو كان له عذر من خراب منزل ، فإذا كان كذلك فأودعها غيره فلا ضمان عليه في قول مالك . وهو قول الليث بن سعد ، والشافعي . وكان ابن أبي ليلى يقول : لا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن شريح أنه قال : ليس على المستعير غير المغل ضمان ، ولا على المستودع غير المغل ضمان .

                                                                                                                                                                              ووافق بعض الناس ابن أبي ليلى على مذهبه ، قال : وذلك أن على المودع إحرازها وحفظها ، فإذا كان إحرازها عنده أن يدفعها إلى غيره ممن يثق به كان ذلك له ، ولا ضمان عليه ، لأنه لا خلاف بينهم أن عليه أن يحفظها ويحوطها ويحصنها من التلف .

                                                                                                                                                                              وقد أجاز غير واحد منهم للمودع أن يدفع الوديعة إلى من يرضى من خدمه وأهله على سبيل ما قد جرت به عادات الناس في منازلهم ومجالسهم . كان الليث بن سعد يقول : إذا أودعه من رضي من أهله فلا ضمان عليه ، وقال مالك : إذا دفعه إلى امرأته لم تضمن . وحكي [ ص: 312 ] ذلك عن عبيد الله بن الحسن .

                                                                                                                                                                              وقال الثوري : لا يضمن إلا أن يكون دفعها إلى زوجته أو ابن أو خادم أو إنسان من عياله . وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : له أن يدفعها إلى من شاء من عياله الذي يعول ، فإن نهاه المودع أن يدفع إلى أحد من عياله فدفعه إليه ، فإن كان ممن لا بد له منه فلا ضمان عليه ، وإن كان ممن له بد فهو ضامن .

                                                                                                                                                                              وقال ابن الحسن : لا ضمان عليه إذا دفعها إلى امرأته أو إلى ابنه وهو كبير في عياله أو إلى عبده أو إلى أمه أو إلى أخيه وهو في عياله .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية